حصار الانترنت.. وسيلة الحوثيين لمواجهة ثورة الوعي في اليمن (تقرير)

الساعة 11:29 مساءاً (يمن ميديا - خاص)

 

في تصعيد غير مسبوق، اتخذت مليشيات الحوثي الموالية لإيران، سلسلة من الإجراءات التي من شأنها التضييق على مستخدمي شبكة الانترنت، سواء من خلال تخفيض السرعة أو من خلال رفع أسعار الخدمة، مستغلّة سيطرتها على مؤسسة «يمن نت» المزوّد الوحيد لخدمة الانترنت في اليمن.

وكانت آخر الانتهاكات الحوثية في هذا الجانب، هو تنفيذ حملة أمنية واسعة منذ منتصف ديسمبر الجاري 2019، داهمت خلالها مئات المنازل، وأغلقت نحو 50 ألف شبكة انترنت محلية "وايرلس"، وصادرت ونهبت ممتلكات وتجهيزات بث تلك الشبكات.

وقبلهاـ كانت مليشيات الحوثي التي تسيطر على وزارة الاتصالات قد نشرت رسائل نصية قصيرة عبر شركة "يمن موبايل" تحذر فيها من إنشاء شبكات إنترنت وزعمت أن ذلك مخالف للقانون.

وجاءت الحملة الحوثية، بعد أسابيع من رفعها لسعر تعرفة الإنترنت بنسبة تجاوزت 130% وهو ما استنكره ملّاك الشبكات واعتبروا تلك الإجراءات حرباً عليهم, وتضييقاً على ملايين المستخدمين لهذه الخدمة، والحد من وصولهم إليها".

عزل الشعب
وأدت الحملة الحوثية، إلى فقدان خدمة الإنترنت في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرتها، ولاقت هذه الإجراءات استياء الشارع اليمني بأكمله، فيما أكدت النقابة الوطنية للشبكات أنه "لا يوجد قانون أو لائحة تجرم مثل هذا النشاط الذي يوفر الإنترنت لمحدودي الدخل".

وقالت النقابة في بيان لها: "إن مليشيا الحوثي تهدف من وراء إجراءاتها إلى حرمان قرابة 5 ملايين مواطن من خدمة الإنترنت بالأسعار الحالية ودفعهم لاستخدام خدمة الهاتف النقال ذات الأسعار العالية والتي لا يستطيع المواطن البسيط تحمل تكاليفها".

وتعليقاً على الحملة الحوثية، قال الناشط محمد الحمزي في تغريدة بصفحته على تويتر: "على مدى أكثر من 10 سنوات يعمل أصحاب شبكات الانترنت وينشرون شبكات الانترنت في كل المدن والارياف والقرى والاحياء والشوارع وفي غمضة عين قضى عليها وزير قلة الادب الحوثي (في إشارة إلى مسفر الحارثي الذي عينته مليشيا الحوثي وزيراً للاتصالات".

ومن جانبه، قال الناشط يوسف، في تغريدة بصفحته على تويتر، إن مصادرة مليشيا الحوثي لشبكات الإنترنت في القرى والمديريات وضواحي المدن الخاضعة لسيطرتها يأتي ضمن مساعيها "الخبيثة لعزل المواطنين عن العالم حتى يتسنى له ارتكاب الجرائم بحق الشعب اليمني".

ثورة وعي
وتأتي هذه الحملة، وفق ما يراه مراقبون، إلى مخاوف المليشيات الحوثية من اندلاع انتفاضة شعبية ضدها، على غرار ما يجري في العراق ولبنان من ثورات ضد الأذرع الإيرانية وممارساتها العنصرية على حساب مصالح شعوب المنطقة.

وتعتقد المليشيات الحوثية أن الإنترنت قد يساهم في إشعال الثورة ضدها، وترى أن الحد من وصول المواطنين إلى الانترنت قد يعزلهم عما يجري في العالم خصوصاً وأنه أصبح المتنفس الوحيد لهم في ظل انقطاع الكهرباء وأزمة الوقود وعدم مقدرتهم على مشاهدة الأخبار عبر شاشة التلفاز.

وكان زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي، قد حذّر في أحد خطاباته "الشباب من حالة الفوضى في التلقي الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام".. داعياً إلى "تعزيز الاستقلال الحقيقي على المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي والسياسي".

وحذّر، في خطاب سابق، من خطورة التراسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقال إنها تشكّل خطراً كبيراً ولا بد من ضوابط صارمة لهذا الأمر، وهو ما يفسّر اندفاع مليشياته لتخفيض سرعة الإنترنت وزيادة رسوم الخدمة لإبعاد الناس عنها وعزلهم عن العالم".

وكانت المليشيات الحوثية قد أشارت إلى اعتزامها تقليص استخدام الانترنت على لسان المدعو "مسفر النمير" الذي عينته وزيراً للاتصالات، حينما هاجم في تصريحات متلفزة، مستخدمي الإنترنت في اليمن، واتهم ملاك الشبكات بممارسة التجسس، وبائعي الممنوعات. 

وطالب "النمير" في البيان الصحفي الذي عقده في صنعاء بتاريخ 30 نوفمبر 2019، المستهلكين في اليمن بترشيد استهلاك الانترنت على غرار ترشيد استهلاك المياه والكهرباء.. وزعم أنه زار أكثر من 5 دول ولاحظ فيهن أن الناس في تلك البلدان يستخدمون الانترنت فقط لإرسال رسائل البريد الالكتروني وتلقي الرسائل فقط، على عكس المواطن اليمني".

وأثارت تصريحات النمير، سخط اليمنيين، الذين وصفوها بالسطحية والسخيفة. وتعليقاً على ذلك، غرّد الناشط عدنان الضلعي، بقوله: "سياسة الإستغباء والاستخفاف بعقول الشعب أصبحت من الماضي القديم، وتصريحات وزير الاتصالات الحوثي على استعمال الانترنت خير دليل على أن هذه الجماعة ما زالت تعيش في القرن التاسع عشر، وأن الزمن الحالي هو عصر تكنولوجيا المعلومات ولا غنى عنه في هذا الزمن".

ومن جانبه، قال صلاح القادري، في تغريدة بحسابه على تويتر: "حتى الانترنت ترغب مليشيا الحوثي في قطعه وتوزيعه للناس بالقطارة ولو استطاعوا قطع الأكسجين والمطر من السماء لفعلوا ولعملوا على توزيع ذلك كما يريدون ولمن يريدون بحسب ما يخدم مصلحتهم ومشروعهم المستبد فقط".

وأما عبد العزيز الشيخ، فعلّق بالقول: "الحوثي قدم أفضل النماذج وهم وزير الاتصالات ووزير الإعلام طلع الأول يقول زار خمس دول ما يستخدموا النت والثاني يهز رأسه . الناس قده في عصر الـ5G ووزير السلحفة يطالب الشعب ترشد الإنترنت. هذي النماذج للأسف هي من تريد ان تحكم دولة عريقة مثل اليمن".

تجربة إيرانية
وأجمعت أغلب التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذه الإجراءات الحوثية تتطابق مع التجربة الإيرانية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية ومحاولتها إخمادها قبل انطلاقها، وتجلى ذلك خلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت، منتصف الشهر الماضي، في أكثر من 100 مدينة إيرانية، رفضاً لزيادة في أسعار الوقود، ولجأت حينها إيران لقطع شبكة الانترنت في مناطق الاحتجاجات، والتضييق على وسائل الإعلام.

وفي اليمن، لا يكاد يخلو خطاباً لزعيم المليشيات "عبدالملك الحوثي" من التحذير من خطورة وسائل الإعلام، بل إنه يحرّض على قتل الصحفيين والإعلاميين بشكل مباشر، وقال إنهم أخطر من المقاتلين في الميدان، واتهمهم في خطاب متلفز آخر، بأنهم سببًا في مشاكل البلاد، ومن قاموا بـ"جلب العدوان". وفي خطاب آخر على قناة "المسيرة" قال إن من اسماهم "الفوضويون من الاعلاميين هم الذين يثيرون كل ضجيج".

ومنذ انقلابها في 2014، أغلقت مليشيات الحوثي جميع القنوات والإذاعات والصحف المعارضة لها، وعمدت إلى حجبت جميع المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت "اليمنية والعربية والأجنبية" بغرض منع وصول المعلومة إلى المواطنين.

وخلال السنوات الخمس الماضية، اختطفت مليشيا الحوثي العشرات من المدنيين لمجرة انتقادهم لها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤكّد خشيتها من استخدام اليمنيين لشبكات الواي فاي بالكيفية المناسبة، خوفاً من افتضاح جرائمها التي قد تشعل ثورة عارمة ضدّها في ظل حالة الاحتقان التي يعيشها الشعب جراء سياسة التجويع والنهب والإذلال التي تنتهجها.

أرباح مهولة
ويشكل قطاع الاتصالات أحد أهم الموارد المالية الرئيسية لميليشيا الحوثي، حيث تجني من خلالها أرباحًا مهولة من خلال مضاعفة قيمتها، بالرغم من رداءتها والتي أصبحت تشكل كابوس للمستخدمين الذي يعتمدون عليها في أعمالهم اليومية.

ومنذ انقلابها وسيطرتها على المؤسسة، أجرت العديد من التعديلات على أسعار خدمة "الإنترنت" وتتزامن الأسعار الجديدة مع حملة دعائية عن عروض وتحسينات في الخدمة، لكنها في الحقيقة تسوء أكثر وتزداد فقط في السغر، وفقاً للعديد من المشتركين.

كما حققت إيرادات هائلة عبر سلسلة من الإجراءات اتخذتها لرفع أسعار "الإنترنت"، ففي ديسمبر 2016، ألغت خدمة التحميل المفتوح في "الخطوط الذهبية"، وفي 25 سبتمبر الماضي أعلنت باقات "سوبر نت"، ورفعت أسعار "الإنترنت" للسرعات الكبيرة وبالتحديد باقات «4ميغا، 8ميغا»، وهو ما أعتبره ملاك الشبكات العامة والمقاهي استهداف لمصدر دخلهم.

وبحسب تقرير أعده مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، العام الماضي، "فإن أسعار الإنترنت في اليمن مرتفعة جداً على مستوى المنطقة والعالم، وتقدّر كلفة أقصى سرعة في اليمن بـ91.66 دولار، بينما تقدّر كلفة أقصى سرعة في هونغ كونغ بـ27.66 دولار، أسرع بـ250 مرة من أعلى سرعة تقدّمها "يمن نت".

وبلغت العوائد التي حصدتها من هذا القطاع سنة 2018 نحو 280 مليون دولار ما يعادل 162ملياراً و400 مليون ريال، بحسب تقديرات عاملين في قطاع الاتصالات بصنعاء.

ووفقاً لتقرير الإعلام الاقتصادي، فقد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في اليمن 6.911 مليون أي 24.6% من إجمالي عدد السكان، ما يعد أقل نسبة في الشرق الأوسط، وتعد سرعة الإنترنت الأقل والأغلى سعراً مقارنة بالمنطقة والعالم.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر