اللوبي السلالي في خدمة الإنقلاب الحوثي.. عبدالله حميد الدين «أنموذجاً» (2-2)

الساعة 11:08 مساءاً (يمن ميديا - خاص)

 

لم تقتصر مليشيا الحوثي في حربها للاستيلاء على نظام الحكم في اليمن، على قوّة السلاح والعمليات العسكرية فحسب، وليس من يدير هذه الحرب زمرة من العناصر المتطرفة تنتمي إلى أسرة آل الحوثي، بل هناك تحالفًا يشمل غالبية الأسر الهاشمية داخل اليمن وخارجة، يخوض حرباً على كافة المستويات للإطاحة بالجمهورية وإعادة نظام حكم الإمامة كخطوة أولى ضمن سلسلة خطوات تهدف للسيطرة على شبه الجزيرة العربية، وتحقيق حلم قديم طالما راود الأسر الهاشمية التي تعتقد أنها الأولى بحكم مكة والمدينة، وما حولهما.

وتزعم هذه الأسر أن ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م انقلابًا على شرعيتهم المتمثلة بنظام الإمامة الذي حكم مناطق في شمال اليمن بالحديد والنار، واشتهر بثالوث الجهل والجوع والمرض، قبل أن تقتلعه الثورة وتؤسس نظامًا جمهوريًا تساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، بما فيها الأسر الهاشمية التي حظيت بامتيازات في كافة المجالات.

وبالتزامن مع العمليات العسكرية الحوثية للسيطرة على المدن اليمنية، وتدميرها على رؤوس ساكنيها، تجوب اللوبيهات السلالية (الجناح الناعم) دول العالم للتغطية على هذه الجرائم، وكسب التعاطف الدولي لصالح الجماعة، وإكسابها وقتًا للتوسّع واحتلال بقيّة المدن.

وفي الجزء الأول من هذا الملف، كنّا قد تناولنا جانباً من دور "عبدالله بن محمد حميد الدين" كأحد النماذج السلالية التي نشطت إعلامياً ضمن لوبي منظم يعمل على تخدير مجتمعات وحكومات الدول الخليجية، والتحريض في أوساطها ضد القوى الوطنية التي تواجه مشروع مليشيا الحوثي في اليمن، وهو المشروع الذي تسعى من خلاله السلالة لحكم المنطقة العربية بعد تحريرها من عملاء أمريكا وإسرائيل، حد وصفهم.

وسنتطرق في هذا السياق، لجانب آخر من النشاط الإعلامي الموجّه الذي مارسه "عبدالله حميد الدين" خلال حروب جماعته ضد الحكومة اليمنية في صعدة بين عامي (2004 – 2010) وحجم التضليل الذي تحدث به حول هذه الحرب، وترويجه لتهم تلصقها جماعته ضد كل خصومها من اليمنيين وغير اليمنيين ومنها نعتهم بـ"الإرهاب" و"التطرف" والعمالة لأمريكا وإسرائيل.

بدأ "حميد الدين" في تقديم خدماته الدعائية لمليشيات الحوثي مع بداية تمردها المسلح بمحافظة صعدة عام 2004، وظل يصور هذا التمرّد على أنه شكلاً من أشكال الصراع بين أجنحة الحكم في اليمن حينها، نافياً أن يكون تمرداً مسلحاً من قبل جماعته على الدولة لتحقيق أهداف لا تتوقف عند حدود اليمن بل تمتد لتلتقي بالمشاريع الإيرانية في أكثر من قطر عربي.

وفي الحوار الذي أجرته معه مجلة العصر بتاريخ 30 أكتوبر 2009، بوصفه باحثًا سعوديًا في استراتيجيات التنمية، وصاحب دراسات معمقة في المدرسة الزيدية، زعم "حميد الدين" أن الحرب في صعدة ما هي إلا صراع بين ثلاث قوى أساسية تنفرد بحكم اليمن، وهي: علي عبدالله صالح، وعلي محسن الأحمر، وحميد عبدالله الأحمر، وأن من شأن هذه الحرب تأجيل الخلافات بينهم، حد زعمه.

ومن المعروف أن حروب صعدة من أول جولة إلى آخر طلقة، كانت بين القوات الحكومية والمليشيات الحوثية بعد تمرد الأخيرة على السلطة المحلية، وتماديها في منازعة سيادة الدولة على المحافظة، ومحاربتها كل مظاهر الدولة، وصولاً لإعلانها حرباً شاملة ضد القوات الحكومية بعد أن أصبح لديها تنظيماً مسلحاً شكلته في جبال صعدة، مستغلة تضاريسها الوعرة لإنشاء المعسكرات التدريبية، وإخفاء الأسلحة، وتنفيذ الكمائن، وهذا خلافاً لما ذكره "حميدالدين" في رده السابق.

ولم يكتف "حميد الدين" برص هذه الأكاذيب والمغالطات كإجابات لأسئلة ذكية وجدّية تبحث عن إجابات حقيقية لما يجري في صعدة الحدودية مع السعودية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وكأنه يطبّق نظريّة جوزيف جوبلز بأنه "كلما كانت الكذبة أكبر كلما كان تصديقها أسرع" حيث زعم أن "قوى إسلامية متطرفة، أدركت أن المعارك في صعدة فرصة لها للتزود بالسلاح وأيضاً التدريب على القتال. وقد شارك في المعارك كثير من المتطرفين. فالتيارات الإسلامية المتطرفة بحاجة إلى وطن جديد بعد الملاحقة الشرسة التي يواجهونها في باكستان وأفغانستان. واليمن موقع ملائم باعتبار تضاريسه، وتسلح شعبه، وتدينه الفطري، وثقافته الحربية" حد وصفه. 

واستمرت الحرب السادسة من أغسطس 2009، حتى فبراير 2010م، وشن المتمردون الحوثيون هجومًا على نقاط حدودية وقتلوا جنديان سعوديان وجرحوا 11 آخرين.  وفي نوفمبر من ذلك العام سيطر الحوثيون على جبل الدخان على خلفية اتهامات للسعودية بدعم الجيش اليمني، واتاحت استخدام الأراضي السعودية كقاعدة لعمليات القوات الحكومية اليمنية، ضد معاقل الحوثيين الحدودية. واشترك الطيران السعودي في هذه الحرب لقصف مواقع المتمردين في جبل الدخان ومناطق متفرقة بصعدة.

وفي حين اعتقد الباحث السعودي "حميدالدين" أنه قذف القوات التي تقاتل جماعته المتمردة في صعدة بأكبر تهمة رائجة دولياً، إلا أنه تناسى أن القوات السعودية كانت تقاتل إلى جانب القوات اليمنية ضد المليشيا الحوثية في الحرب السادسة، بعد أن هاجم الحوثيون نقاطًا سعودية وقتلوا وجرحوا عدداً من جنودها، وشارك الطيران السعودي في هذه الحرب، فهل كانت هذه القوات التي يحمل "حميد الدين" جنسية بلادها تقاتل إلى جانب الجماعات المتطرفة القادمة من أفغانستان وباكستان؟. لا شك أن ما يقوله "حميد الدين" كذب وتضليل للقارئ العربي، وتخدير للنخب الخليجية، وصرفها بعيداً عن حقيقة ما يجري.

وفي رده على سؤال حول سبب إنكار جماعته أن ما تمارسه يعد تمردًا على الدولة، واتهاماتها للحكومة بخوض حرب إبادة ضدها في صعدة، أجاب "حميد الدين" بأن: علي عبدالله صالح ليس لديه عداوة استراتيجية لأحد، ولكنه محكوم بمعادلة القوة الموجودة.. مؤكداً أن "الطرفان الأكثر معاداة للزيدية والهاشميين هما علي محسن الأحمر وحميد الأحمر، وكلاهما يرى أن الهاشميين والزيدية خطراً إستراتيجياً عليه" ومن الملاحظ أن هذا الخطاب الذي يروجه "حميدالدين" هو نفس الخطاب الذي تردده مليشيا الحوثي اليوم ضمن سياستها لتأليب اليمنيين ضد بعضهم كي تمضي في مشروعها بأمان.

ونفى "حميد الدين" في الحوار أن يكون للحوثيين برنامج سياسي، أو طموح لتغيير الدولة بالقوة، لكن الأحداث خلال السنوات الماضية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحوثيين كانوا يستهدفون الدولة اليمنية، ولديهم مشروع سياسي عابر للحدود، باعتبارهم الذراع الإيرانية الطولى في الجزيرة العربية، حيث قال: "أما توصيف ما يحصل بأنه تمرد، فقد يكون صحيحاً. المهم أنه تمرد على من؟ على سلطة شرعية تقوم بوظيفتها؟ أم على فئة أكلت الأخضر واليابس؟ والصراع فعلاً على السلطة، ولكن ليس بين الحوثيين وبين الدولة.. مؤكداً أن الحوثيين "لم يكن لديهم برنامج سياسي، وليس لديهم أي طموح لتغيير الدولة بالقوة.. الصراع بين الأجنحة الثلاثة وصعدة هي أرضية الصراع".

وفي إجابته على سؤال حول سبيل إطفاء نار الحرب في صعدة، ومن المستفيد من اشتعالها واستمرارها، قال إن "الطرف الأول المستفيد من استمرارها هو أجنحة الحكم المتصارعة. وسبيل الحل تفاهم أجنحة القوى الأساسية على مستقبل الحكم في اليمن ونظامه السياسي، وهذا لا يظهر أنه ممكن". وأضاف: هناك سبيلان أقرب إلى الإمكان. الأول: تحالف الحوثيين مع حميد الأحمر والقوى الجنوبية لمواجهة الرئيس والضغط عليه باتجاه إصلاحات سياسية جذرية. ويبدو أن هذا سيحصل ولكن لن يستمر لأنه يفقد مقومات التحالف المتوازن. الثاني: والأصلح من وجهة نظري هو تحالف الرئيس مع الزيدية والهاشميين في اليمن. ولكن يحتاج من الرئيس خطوات جادة لتجاوز الآثار الإنسانية للمعارك.

وحول هذه النقطة تحديدًا، قالت مصادر سياسية يمنية، إن شخصيات هاشمية نافذة في صنعاء، عملت في 2011 على إقناع حميد الأحمر، والحراك الجنوبي، بالتحالف مع الحوثيين، من أجل القضاء على نظام صالح، إلا أن الحوثيين سرعان ما نقضوا هذا التحالف بتدشينهم حربًا شاملة ضد "آل الأحمر" انتهت بتشريدهم، وتدمير منازلهم، ونهب ممتلكاتهم، وفور تخلصهم من "آل الأحمر" بدأوا في اجتياح المحافظات الجنوبية بقوّة السلاح، قبل أن تتدخل "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية لإيقافهم.

وأضافت المصادر أن الأسر السلالية وعلى ذات المنوال، نجحت في إقناع الرئيس السابق "صالح" في 2014، بالتحالف مع الحوثيين للقضاء على ما أسموه بـ"العدو المشترك"، المتمثل في الرئيس عبدربه منصور هادي وحزب الإصلاح، ولكن سرعان ما نقض الحوثيون هذا التحالف كسابقاته، وانتهى بقتل جماعة الحوثي لحليفها "صالح" بطريقة شنيعة.

ويتضح مما سبق، حجم المعلومات الخاطئة التي يحاول الحوثيون وأدواتهم الناعمة بجنسياتها المختلفة في أكثر من دولة، استغلالها كوسيلة للتغطية على حروبهم القذرة، لقتل اليمنيين، وتدمير الدولة اليمنية، في سبيل مشروعهم المدعوم إيرانيًا والهادف للسيطرة على المنطقة وحكمها، ومن ثم الهيمنة على خطوط التجارة العالمية في البحر الأحمر والخليج العربي.

وإذا كانت هذه المغالطات والأكاذيب التي ساقها "حميد الدين" عبر وسائل الإعلام، دون أن يتحرج من ملايين المتابعين الذين عاشوا تفاصيل تلك الحروب لحظة بلحظة، فما هو حجم التضليل الذي تمارسه اللوبيهات السلالية خفيةً في عواصم الدول العربية والغربية؟.. فهل من مدّكر؟

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر