نصٌ تاريخي عن ماضٍ حاضر: "يمنية" الجنوب للشهيد الأستاذ محمد أحمد نعمان
 الأستاذ محمد أحمد نعمان

الساعة 11:12 مساءاً (يمن ميديا )

توطئة:
للشهيد الأستاذ محمد أحمد نعمان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق (مارس 1933- يونيو 1974م) صولات وجولات في الصحف العدنية، والمنابر اليمنية خلال خمسينيات القرن العشرين، حين انتظم نشاطه الوطني عبر تنظيم "الاتحاد اليمني" المناهض للحكم القديم، وانخرط ضمن مجال العمل النقابي عبر النقابات العمالية وكذا في المجال الصحافي مديراً لبعض الصحف، وناشراً لكتيبات "الأحرار اليمنيين" باعتباره المسئول عن "لجنة الثقافة والنشر بالاتحاد اليمني". وتبنى قضايا الوطن اليمني شمالاً وجنوباً. مع بروز دوره كناشطٍ سياسي بعثي وظّف علاقاته التنظيمية العربية الواسعة لخدمة القضية اليمنية، وليس العكس.
حفلت سيرته الوطنية أثناء مرحلة حياته "العدنية اليمنية" بفاعلية تعاطيه مع القضايا السياسية المثارة يومئذ ومن بينها محاولات تكريس عهود "التجزئة والانفصال" عبر إقرار قوانين ونظم إدارية تلغي الحقوق السياسية لليمنيين في عدن وغيرها من المناطق الجنوبية اليمنية. فقد خاض غمار الدفاع عن الوحدة اليمنية عام 1959م في مواجهة إعلان "اتحاد إمارات الجنوب العربي" وانطلاق دعوات "وحدة الجنوب مع مصر"، متجاوزين أو قافزين على الوحدة اليمنية الطبيعية. كما شارك مع عدد من الأحرار اليمنيين في تأسيس وتفعيل "الجبهة الوطنية المتحدة".
من بين الصحف التي احتضنت المساجلات حول تلك القضية، كانت صحيفة "الفجر" التي أدارها الشهيد محمد أحمد نعمان (نعمان الابن)، وعُدّت واحدةً من منابر الدفاع عن الوحدة الطبيعية لأبناء اليمن جميعاً، وتناول تلك القضية-المتجددة اليوم!- مع الدعوة الواعية إلى نشوء "الاتحاد القومي لليمن" كما يبين آخر المقال.
وإذ تشبه الليلة البارحة، فإن "يمن ميديا" تحتضن هذا النص التاريخي للشهيد النعمان المنشور بصحيفة الفجر بتاريخ 30 سبتمبر 1959م، وتزودت به من وحدة التوثيق والمعلومات بمنتدى النعمان الثقافي للشباب. وقد ضم إلى كتاب "محمد أحمد نعمان مسار حوار، جمع وإعداد لطفي فؤاد أحمد نعمان" الصادر عن منتدى النعمان الثقافي للشباب.
فإلى مقال "البارحة" عن واقع "الليلة":

مع الجماهير:
لماذا التأكيد على "يمنية" هذه المنطقة؟•

بقلم: محمد أحمد نعمان

أهو جدلٌ لفظي، وحذلقةٌ كلامية! تلك الأحاديث التي تُدار والمقالات التي تُنشر حول وجوب صبغ القضية الوطنية في عدن والإمارات بصبغة "اليمنية" دون الاكتفاء بصبغة "العروبة" التي هي أشمل من "اليمنية"؟
يقول البعض إن الاسم الذي يجب أن يُطلق على عدن والإمارات هو اسم "الجنوب العربي" لا "جنوب اليمن" لأن هذه التسمية الأخيرة تفوح منه روائح الإقليمية الأنانية الضيقة. بينما تلك التسمية قومية شاملة ينبغي لنا ما دمنا نؤمن بوحدة الشعب العربي أن نستمسك بها بدلاً عن هذه التسمية الإقليمية.
وأخذ الموضوع عابراً وبهذه الصورة العجلى يفرض علينا ألا نقاوم هذه المنطق أو نناقشه مجرد المناقشة. إلا أننا حين نعود لنلتفت إلى واقعنا ونحلل المجموعة البشرية التي تحيا في هذه المنطقة وتصنع تاريخها وتوجه حياتها. عندما نعود لنتمحص السكان في المنطقة من هم. وبيد من السلطة فيها ومن الذي يسيطر على اقتصادها ويوجهه.
ثم نبحث عن الحالة الشعورية المسيطرة على هؤلاء، والمخططات السياسية الموضوعة في البلد لنوازن جيداً مدى سلامة كل من التسميتين اللتين تنبعثان من اتجاهات مختلفة قائمة ومصالح مختلفة متضاربة!!
إننا حين نفعل ذلك نجد الأمر على عكس ما تصورنا.
وفي هذا البحث سنحاول ما أمكنتنا المحاولة أن نتجنب الصخب اللفظي الذي تستثيره المجادلات الحزبية وتفرضه فرضاً في بعض الأحيان على المرء مهما كان عازفاً عنه.

الوحدة تفرض الوحدة
قبل أن نستطرد في الحديث عن الناس والأحوال في عدن وما حولها من الإمارات اليمنية، نود أن نقرر قاعدة منطقية وهي أن الإيمان بضرورة وحدة الشعب العربي من "بغداد إلى تطوان" ومن عدن إلى "حلب"، الإيمان بهذه الضرورة يدعونا لعدم قبول أية فكرة تُجزئ الأجزاء الموجودة.
وبعبارة أوضح، إذا كان الشعب العربي قد انقسم إلى عدة أقاليم فليس منطقياً لمن يؤمن بوحدة العرب أن نُقِرّ تجزئة إقليم إلى إقليمين أو أكثر!
ومن هذه القاعدة انطلقت نضالاتنا في عدن ضد المشاريع التي قدمها المستعمرون لصياغة مستقبل هذا البلد.
تلك هي القاعدة المنطقية ونأتي للدوافع الموضوعية من بشر يقيمون في هذه الأرض وعلائق قائمة بينهم فيها:
الناس في مدينة عدن. غالبيتهم العرب، ويعيش إلى جانب العرب الصومال، والهنود، والباكستانيون، وجماعات من الطليان، والفرس والإنجليز الذي يحكمون البلد حكماً مباشراً يحرسهم أسطولهم البحري والجوي والبري.
ويكوِّن غالبية العرب في هذه المدينة: عدن. أبناء شمال اليمن، وهم بين عامل أو تاجر وعلى هؤلاء يعتمد النشاط النقابي كما يعتمد النشاط التجاري الجانب العربي.

الحكم الذاتي واتحاد الجنوب
وحين بدأ المستعمر يُخطط مستقبل هذه البلاد ويهيئها كما يدعي –لحكم نفسها-قرر استبعاد كل أبناء شمال اليمن من المساهمة في تقرير مصير هذا البلد باعتبارهم رعايا (المملكة المتوكلية) التي لا ترتبط ببريطانيا بأية رابطة مثل الصومال والهند وباكستان ومالطا وهونج كونج.
وعلى هذا الأساس أقام نظمه وقوانينه لبناء المجلس التشريعي ومن بعده المجلس البلدي إذ قرر حرمان أبناء شمال اليمن من حق الترشيح والتصويت للمجلس التشريعي، وحرمانهم من حق الترشيح في المجلس البلدي، بينما أُبيحت كل هذه الحقوق لكل الأجانب الموجودين في عدن إذا ما اجتازوا شروطاً واهية كان من الميسور على الشماليين أن يجتازوها لو وُضعت في طريقهم. وقد وُصِفَت هذه المشاريع بأنها خطوات نحو الحكم الذاتي.

المقاطعة
وكان رد الفعل عند الجانب الوطني على هذه المشاريع هو الرفض والتعبير عن رفض هذه القوانين بمقاطعة المجالس الحكومية وقوطعت انتخابات المجلس التشريعي عام 1955م بقيادة "الجبهة الوطنية المتحدة" التي تألفت حينها من "الاتحاد اليمني" ومن الشباب المنشق على "رابطة أبناء الجنوب"، وبعض النقابات التي كانت مؤسسة يومها وبعض النوادي.
وخاضت الانتخابات "رابطة أبناء الجنوب" و"الجمعية العدنية".
* * *
وقد كان أقوى الأسباب التي ارتكزت عليها المقاطعة من الناحية السياسية هي: حرمان أبناء الشمال من الحقوق السياسية إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بتكوين المجلس التشريعي.
وجاء "اتحاد الإمارات" الذي اقترحه حاكم عدن السابق السير هيكن بوثام فأجمع شباب الطليعة على رفضه لا من حيث الصورة التي وضع فيها فحسب ولكن لأنه يحتوي على فصل جنوب اليمن عن شماله، ويعتبر ابن الشمال اليمني أجنبياً في أرض جنوب اليمن.

هل خلصنا من الشرور؟
إن حقيقة هامة رهيبة تغيب عن الكثيرين وهم يناقشون الموضوع، تلك هي أن الشعب العربي في هذه المنطقة لم يملك بعد أمره فهو نهبٌ بين الاستعمار والرجعية الحاكمة المتمثلة في الإمام والأمراء والسلاطين ويتصورون اليمن وهي خلية تماماً من كل هذا فهم يناقشون قضية بيضاء لا ألوان فيها ولا ظلمات.
لو قال عربي في عدن أو صنعاء أو بيحان: "إني حريصٌ على يمنيتي متشبثٌ بها" والدنيا خالية إلا من حكومة مركزية عربية لكان قوله هذا سخفاً ما بعده سخف، ولكنه حين يقولها وهو يدرك أنها تلزمه أن يقف موقفاً معارضاً مضاداً لكل السلطات الحاكمة المتمثلة في الاستعمار الحريص على التجزئة في الإقليم والسلاطين الذين يخشون زوال سلطانهم والإمام الذي يتهيب الوحدة الشعبية ويراها كاسحةً عرشه الهزيل. حين يقول ذلك وهو مستشعرٌ اصطدامه بكل هذه القوى لا يكون إلا محقاً كل الحق مصيباً كل الصواب مبدعاً فعالاً في نضاله على المستوى القومي أيما فعالية وإبداع لأنه يناضل في معركة عربية ضد شرور تتأذى منها العروبة في كل مكان.
ولو قبلنا أن عدن والإمارات تؤلف شعباً عربياً جديداً هو شعب "الجنوب" كما يريد الاستعمار والمنتفعون به أن يسموه لما كان هناك بيننا وبين مجالس الحكومة كلها ما يدعو للبعد أو الخصام اللهم إلا شكليات بسيطة تأتي مع الزمن القريب.
* * *
غير أن البعض حين تسرد عليه هذا القول لا يملك رداً على ما تقول بل يلجأ إلى مخاوفه التي تزدحم بها نفسُهُ الجزعة الهلعة من مآسي العروبة التي يصنعها إمام العراق قاسم، فيقول لك: إن تأكيد المشاعر الإقليمية قد يتيح للمنحرفين أن يطوحوا بأي مكسب ثوري يحصل عليه الشعب العربي في اليمن سواء في الشمال أو الجنوب فيبعدوا بالشعب عن طريق العروبة. 
فما الضمان ضد الانحراف؟!

هل ثار العراق؟ 
والرد على هذا بسيط.
إن الخطأ كل الخطأ هو أن تُعتبر حوادث 14 يوليو 1958م في العراق ثورة. إن العراق لم يَثُر، ولكن فئةً من الضباط لا يجمعها برنامج ولا يضمها تشكيل قد قتلت ملك العراق وخاله ووزيره ثم سلمت قيادها لأفعوان ارتد ليقتلها واحداً تلو الآخر وبدون هوادة. "فالضباط لم تكن لهم قيادة منظمة قبل الثورة" كما قال العقيد الدراجي في حديث له بعد الثورة، و"لم يتفقوا على إقامة مجلس للثورة" كما يقول العقيد عبدالسلام عارف في محاكماته.
إن العراق لا يمكن أن يقال بأنه تغير أبداً يوم 14 يوليو ولقد كانت الخديعة منا نحن الشعب العربي حين فقدنا أعصابنا وذهبنا نهتف ونصفق لمن لم نكن نعرف من تاريخه إلا أنه كما قيل رأس عملية قتل فيصل وعبدالإله.
والطريق الذي نريد أن نسلكه ونحن نتحدث عن جنوب اليمن ووحدة اليمن كمعركة نضالية شعبية، هو غير الطريق الذي سار فيه الطيبون من أشقائنا بقيادة قاسم إمام العراق الجديد أو الطيبون منا مع ابن الوزير والسيف عبدالله والبدر.
إننا نسير في طريق واضح لا ينتهي بالخلاص من حاكم معين بل من أوضاع معينة وعقلية معينة ونفسية معينة. من التجزئة في الحكم والثقافة والاقتصاد.

هذه طريق الوحدة
والوحدة العربية الكاملة لا تأتي ببيان يصوغه حزب أو تعهد يقطعه على نفسه زعيم أو متزعم بل هي تربية طويلة تجعل الشعب نفسه يفرضها على حاكمه فرضاً، ولو كان التنظيم القومي في العراق على بينة من الموقف لاستطاع أن يفرض اتجاهه فرضاً على الحكام الجدد الذين خلفوا نوري السعيد.
وحين تصل هذا المستوى من البحث مع هذا البعض يعود ليسألك:
ولكن إذا كانت الدعوى على هذا المستوى من التعارض مع الأوضاع القائمة فكيف يبيح لها الاستعمار أن تنشط في ظلاله؟!
وترد على سؤاله الساذج البريء بسؤال مماثل:
وكيف تفسر سماحه للتسمية الأخرى بل احتضانه لها فإذاعته تدعو المنطقة باسم "الجنوب العربي" وصحافته كذلك ثم إذا دعونا نحن لوحدة الشعب اليمني على أساس ديمقراطي دون الارتباط بأية حكومة قائمة من الحكومات القائمة اليوم في اليمن شماله وجنوبه فغيرنا ينادي بوحدة هذا الشطر من اليمن مع الجمهورية العربية المتحدة دون أن تنال حريته بشيء.
ويرتبك البعض حين يفاجأ بهذا الجواب، ثم يحاول التراجع فيقول: ليست هذه محاولة استعمارية لكشف أوراق هذا الجانب.
وتعود به حين يصل هذا الحد من الذكاء الخارق إلى النقطة الأولى من الحديث وهي أنه كما أن الأحرار في اليمن يرون الوحدة ضرورة إقليمية مثلما هي على المستوى القومي، فإن الاستعمار يرى التجزئة مجدية له على المستوى الإقليمي قدر جدواها على المستوى القومي العربي. ولذلك فهو يلجأ إلى أية وسيلة من الوسائل لتأكيد هذه التجزئة الإقليمية عملياً ولو بهذه الوسيلة طالما كانت قادرة على تحقيق هذه التجزئة لأنها مباشرة الفائدة فأنت في عدن والإمارات ستحقق التجزئة الشعورية بالنسبة لأبناء الشمال عندما تنتهج نهجاً منفرداً على أساس الوحدة الشطرية لتلتقي أبناء الشمال بعد حين في القاهرة لا صنعاء، وأنت حين تحدث هذا لا تكون قد حققت وحدتك العملية مع القاهرة.
وعلى نفس المستوى من الكيد نرد هذه الأغلوطة الكبرى فنؤكد وحدة اليمن ونعمل من أجلها حتى ولو ظلمنا واتهمنا البعض بما يتهمون من تهم باطلة.
أما الضمان فالرجعة البصيرة إلى تاريخ الدعاة لكل من الدعوتين، ما هي شعبيتهم، وما هي تضحياتهم ونضالاتهم. 
ذاك ضمان مبدئي بالنسبة للقيادة. أما الضمان الخالد فهو في إقامة تنظيم سياسي لكل أبناء اليمن يقوم على أسس قومية متينة، يسعى هذا التنظيم للسيطرة على شؤون الإقليم وتخطيط مستقبله. وما لم يتم ذلك فلن يجدي في الأمر بيان أو تعهد أو إذاعة أو خطاب.
ومن أجل ذلك؛ نعمل جميعاً لبناء "الاتحاد القومي لليمن" الذي اتفقت عليه كلمة هيئاتنا الرئيسية الثلاث: المؤتمر العمالي، والاتحاد اليمني، والجبهة الوطنية المتحدة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر