د. محمد شداد
د. محمد شداد
محطة تاريخية.. تعثرت لكنها لن تقف
الساعة 10:12 مساءاً

كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ولا زالت وستظل البارق الأهم، ومحطة التدافع الحضاري الأبدية؛ ستبقى البركان الثوري المتوقد المغتلي في قلوب اليمنيين؛ سيبقى نشيدها وحنينها وأنينها حاضرا؛ ستبقى الصوت الشادي٬ والناي الجميل واللحن الوافي في حياة اليمنيين، بل هي سهيل اليماني النجم الهادي لتحقيق اليمن الاتحادي الحديث.
كانت فكرة ثم تحولت إلى ثورة، فأصبحت النافذة الكبرى التي أطل منها الشعب اليمني على العالم حيث لم يكن أحد يعرف أن هناك شعباً أصيلا وبلداً هجرته السنين على كوكب الأرض اسمه اليمن؛ لم يسمع به العالم إلا عندما وقف المناضل محسن العيني على منصة الأمم المتحدة مخاطباً العالم باللغة الفرنسية طالباً الاعتراف بالثورة والجمهورية، عندها أدرك ممثلي الشعوب أن هناك شعباً وحضارةً تستحق الاحترام.
كانت الحق المستحق والحقيقة الساطعة، والمحطة التغييرية الكبرى، وفاتحة الزمان ومنتهاه؛ كانت الرصيف الذي انطلق منه الشعب اليمني نحو المستقبل؛ كانت الجبل الذي من على سفوحه أطلق ثوارها أول طلقة من بنادقهم على جسد الإمامة، ولا تزال خزائن أسلحة أحفادهم مليئة بالطلقات وحرابهم مشرعة.
كانت الضحى الذي علت فيه الابتسامة وجوه اليمنيين بعد طول حزن وإمامة، رفعوا هاماتهم في السماء تحركت فيهم الجينات الحضارية والتاريخية الساكنة، فكانت أصواتهم صواعق ورصاصاتهم خوارق وبروقهم تضيء عتمة ليل امتد موجه وادلهمّ ظلامه. 
وإن تعثرت عجلتها لكنها لن تقف، ولن يتوقف الشعب اليمني عند انكسارات اليوم لأن عصبه قد اشتد وعوده قد استوى.
تراجُع وانهزام البعض، ويأسُ وتخاذلُ البعضِ الآخر لن يغير من الحقيقة الثابتة. أرادوها إمامةً من جديد توهموا عودة حلمهم المستحيل، وذلك لأنهم خارج دائرة الضوء، والقمر الصناعي، والصاروخ العابر للقارات، والميديا الحرة، وقوانين حقوق الإنسان المحمية بأساطيل دولية تجوب البحار لحماية مبادئ حقوق الانسان والمساواة بين البشر؛ لم يدركوا أن أوباما الأفريقي تربع عرش امبراطورية تحكم العالم، وأن كامالا هاريس "Kamala Harris" نائبة الرئيس الأمريكي بايدين لأم هنديه وأبٍ من جزيرة جامايكا، وأنهم في زمن تجاوز فيه العالم العرق والدين واللغة والمذهب، وقدس القدرات العلمية والسياسية والاقتصادية وأصحابها.
لن تستمر لعنة الدعوى الإلهية على الشعب اليمني، وخرافة التمييز الجيني والسلالي. لن يستمر مفهوم أن اليمنيين أخطأوا عندما أسلموا ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم على قريش الكافرة وفتحوا مكة وأدخلوه على طغاتها عنوة.
وبرسالة دخلوا في دين الله أفواجا وحملوا رايات الجهاد وفتحوا البلدان وكانوا أعمدة الدول القرشية وقادة جيوش، بدءاً بدول الخلفاء وانتهاءً بدولة عبدالرحمن الداخل في الاندلس ومن تلاه. 
كانت قبائل مذحج، وكندة، وعك، والأشاعر، وهمدان مددا للإسلام وفتوحاته بالمال الكثير والخير الوفير والرجال الصُبُر في الحرب والصادقين عند اللقاء.
لن تستمر اللعنة عليهم، لأنهم أسلموا، وعليهم الانحناء والهُون وحبّاب الرُّكب والاندفاع لخوض حروبهم المستدامة كحطب يحترق، كما قالها حسن زيد -السلالي المستنير- "كون اليمني خُلقَ مسلماً عليه أن يحارب طيلة عمرة ويموت عليها"٬ بمعنى عليهم افتعال الحروب وعلى اليمني أن يحارب إلى آخر يوم في حياته عليه التحاف الشقاء، وافتراش المآسي وتوسُد الجوع وملازمة الخوف وتحمل الأمراض المزمنة؛ عليه أن يكون جمل الصحراء لا يظمأ ولا يجوع ولا يتألم،؛ شكواه جريمة٬ وتمرده على الظلم خروج عن الدين، ونكرانه للحق الإلهي المكذوب عقوبته الموت.
لكن هيهات! كَبَتْ ثورة ٢٦ سبتمبر، لكنها لن تسقط، ولن تموت؛ غُرست في عقول الطليعة والشباب، وحبَّلوها الكماة الأوائل، وإن غابت أو تراجعت من عقول بعض الكهول، كانت تشكل مصطلحات البرجوازية، والطبقية، "البروليتاريا" والقومية والاشتراكية، الرعب عند باقي الكهنة حملة المباخر والبخور، فعثَروا الثورة وحاربوا الثوار الحقيقيين حملة نواة بناء الدولة العصرية وتعثَّروا، وتعثر أحفادهم معهم بل ذُلوا وسُحِقوا. 
من لحظة قيام ثورة أيلول وما قبلها، وعلى إثرها تفاعل المجتمع اليمني بحدة، وتعاطى مع قضاياه الوطنية بصدق ولو أن كل تلك العلائق أبطأت خطواته غير أنها لم تقف.
العقلية التقليدية المحتلة بمفاهيم الماضي، وتغلُب فكرة التعصب، وبفكرة السلالية والاصطفاء العرقي، وفكرة أنا أولى بالحكم والحكم لي حصرياً دون غيري،  كانت هي الأخرى من عوامل الهدم التي صدَّعت بنيان  الدولة الوليدة، وأعاقت قيام دولة العدل والمساواة التي حاربت التمييز بين الطبقات على أي اساس حيث كانت فكرة تطبيق القانون غريبة عندهم باعتبارها خرقاً لعادات القبيلة، وتكبيلاً لحركة فردها المنفلت؛ اعتُبرَ القانون قيداً لحريته الصحراوية فحاربوها وهم أولى برعايتها من غيرهم لأنهم كانوا من أوائل ضحاياها فقراً وسحقاً وموتا.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر