سيف الحدي
سيف الحدي
سيل العَرِم في القرن الواحد والعشرين
الساعة 02:03 صباحاً

عرف عن سيل العرم إنه من دق ناقوس الرحيل لليمنيين قديما وتركوا أراضيهم ومنازلهم وثرواتهم ووطنهم هربا من الموت الآتي جريا في شكل فيضان عاتي يجرف الأخضر واليابس ولا يترك من قامة مرفوعة إلا وساواها بالأرض أكانت إنسانا أومنزلا أو حتى شجرة. وكما يقال دائما، ها هو التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة من دق ناقوس الرحيل هو سيل عرم من نوع آخر أتانا من كهف في أقصى شمال البلاد يرتدي عمامة ويدعي أن دمه أزرق! هذا الفيضان الآتي من كهوف الظلمة والكهنوت أتى بالموت لكل من لا يقول أنت سيدي وأنا عبدك; فلم يترك حياة إلا وأدها ولا كرامة إلا اهدرها ولا وطنية إلا اغتالها ولا شرف إلا اغتصبه ولا عزة إلا اهانها ولا آدمية إلا سفكها ولا إنسانية إلا أعدمها. لم يترك هذا الفيضان لليمنيين من شئ إلا ووضع بصمته الضلالية فيه; فالمدارس حرف مناهجها والمستشفيات أوقف دعمها والمواد الغذائية رفع أسعارها والمشتقات النفطية اعدمها وحتى المنازل حاصرها ونهبها والشركات والمؤسسات اغلقها!

لو أردنا أن نتحدث عن مساوئ حركة الحوثي لاحتجنا إلى أن نصنع من كل شجر الله أقلاما ومن البحر مدادا، لذلك أنا أريد أن أركز على نقطة واحدة هنا وهي أثر هذا الفيضان في تشريد الناشطين في المجال الإنساني والحقوقي حيث أن الحركة الحوثية لم تترك ناشطا حقوقيا أو إعلاميا إلا وقتلته أو عذبته أو سجنته أو شردته في بلاد الله المعمورة.

منذ 2011 وأنا أنشط في مجال حقوق الإنسان والإغاثة وتعزيز الديمقراطية ومكافحة الفساد وطوال هذه الفترة سنحت لي الفرصة أن أبني علاقات مع عدد من الناشطين على المستوى المحلي والوطني والإقليمي والدولي وكنا نتواصل ونتناقش بشكل متواصل عن الوضع الحقوقي والإنساني وغيرها من القضايا ذات الشأن العام في اليمن، ولكن الآن لا أكاد أجد من الناشطين أحد في اليمن. فقد شدوا رحالهم إلى خارج البلاد خوفا من عرم القرن الواحد والعشرين الذي أتاهم على شكل مقاصل للاقلام وكمامات للافواه واغلال للأيادي وأسواط على ظهورهم فلم يجدوا من بد إلا أن يستجيبو لناقوس الرحيل إلى مصر والأردن ولبنان وتركيا وغيرها من البلدان التي سنحت لهم الفرصة بالوصول إليها وكلا بحسب قدرته وحظه ومن لم يحالفه الحظ فلقد قضى نحبه في إحدى السجون المظلمة تحت أسواط صبي حوثي.

 

أصبح الناشطين القلة الذين لا زالوا في اليمن مجبرين على التزام الصمت أمام كل الإنتهاكات التي يرونها بشكل يومي بل إنهم في كثير من الأوقات يجدون نفسهم مجبرين على هضم حقوقهم وكبح حرياتهم أمام جرائم فتوات الظلام منتهكي كل حق وملجمين كل حرية حتى حرية البقاء في المنزل حيث أنهم مطالبين في بعض الأحيان أن يخرجوا مع هؤلاء الظلاميين في مظاهرات ووقفات احتجاجية والتوقيع على بيانات تنصف الجاني وتدين المجني عليه! لذلك نجد أن  معظم الناشطين قد رحلوا من مناطق سيطرة الحوثي إلى مناطق أخرى أو إلى بلدان أخرى غير تلك البلاد التي قضوا فيها جل عمرهم وهم يدافعون عن حقوق شعبها ويضعون حياتهم وأمنهم على المحك من  أجل توفير وحماية مساحة آمنة للمواطن اليمني ليمارس حقوقه وحرياته.

اتمنى من الناشطين الذين لديهم هامش لا بأس به من الأمن والأمان في داخل البلاد أو خارجها أن لا يتهاونوا في تكثيف جهودهم لفضح ما يتعرض له الناشطين في اليمن لكي لا تتوقف عجلة حقوق الإنسان ولكي يتمكن الناشطين من مواصلة نضالهم من أجل الحقوق والحريات.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر