مصطفى محمود
مصطفى محمود
الباحث اليمني همدان العليي... بين فجائعية الواقع وتحديد المنطلقات
الساعة 02:49 صباحاً

سبق لي أن قرأت كتاب الجريمة المركبة للباحث اليمني همدان العليي.. قبل صدوره من دار الآفاق العربية 
أنا ضد  النقد الهدام، وأعتبره وظيفة طفيلية ليس لها مبرر، فهي تتعارض مع الحقائق التي استقاها الباحث من الواقع، بينما الناقد يقوم بدور الشرطي القامع للحقيقة وللحرية بتنظيراته ومعاييره. 
وأكتب هنا ردة فعلي كقارئ، من نوعية المتفاعلين الذين سرعان ما تصيبهم عدوى الألم وأوجاع عوالم المتقدم إلى منصة كشف الجرائم، وتقديم لوائح ما جرى من وقائع.
نجح الباحث همدان العليي في كتابه الجريمة المركبة اصول الجوع العنصري.. في العرض والتعبير عن عالم فجائعي مثير للاشمئزاز.. عالمنا اليمني، المتكرر في كل زمان على الأرض بمستويات وأشكال مختلفة.. عالم تغيب عنه المعايير العقلية والمنطقية والأخلاقية؛ إذ كيف لأقلية عرقية وافدة لليمن تمارس عنصريتها الفجة ضد الأكثرية اليمنية أصحاب الأرض بحجة قرابتها للنبي، وتبطش بهم منذ ألف عام وحتي اللحظة، وتسترقهم بالخرافة السلالية والعواطف الهوجاء العدوانية … 
لا أعرف لماذا علماء الأنثرولوجيا يذهبون إلى قارة أفريقيا لدراسة المجتمعات البدائية ويتجاهلون اليمن.. نحن كذلك جعلتنا هذه السلالة مجتمعًا بدائيًّا في كل شيء.. طريقة التفكير، والمشاعر، والسلوك، التي يتصف بأفراد المجتمع من ضمنهم – مايسمى النخب المثقفة – بمختلف اختصاصهم وتنوعاتهم.. على الصعيد السياسي الذي هو رأس الجحيم.. 
منذ قدوم يحيى الرسي إلى صعدة وأحمد المهاجر إلى حضرموت يبرز سؤال مهم ما الشيء السليم والنافع الذي فعله اليمنيون لأنفسهم على الأقل طوال عمر الجمهورية وتأسيس الدولة الحديثة منذ 60؟.. 
شعب موزع ما بين تبعي ولا أبالي وكسول... ولا يدافع عن حقوقه، وما بين دكاترة وأكاديميين ومثقفين ليبراليين ويساريين وقوميين يمارسون عملية التدمير الذاتي، ويركضون بعمى أيديولوجي يناقشون خطاب عبدالملك الحوثي داخل جامعه صنعاء ويضفون القداسة على خيانته ويعتبرون عمالته  لإيران.. جهادًا )، وكذلك ملازم حسين الحوثي الذي قدم حياته من أجل خيانته وهو مؤمن بسلامة قناعاته التخريبية لليمن بأنها الخيار الأصوب.. ماذا يعني هذا  من دكاترة ومثقفين؟.. يعني الاضطراب النفسي – العقلي وغياب الانتماء الوطني والمعايير الأخلاقية السليمة الضابطة لخيارات الذات!
في كتاب الجريمة المركبة يواجه الباحث همدان العليي الواقع والضحية والجلاد وجهًا لوجه.. وينحب باكيًا وهو يستعرض جروحه وأوجاعه على بلده، تلاحظ فجيعة الباحث همدان العليي في كتاب الجريمة المركبة، فجيعته يوم ولد وعاش في مجتمع بدائي أفراده ضحايا يدافعون عن جلادهم ويبررون له طغيانه وهمجيته (ببسالة) الأغبياء والأشرار، والسياسة هنا هي السكين التي ذبح بها اليمن ليكتشف أن السلالة الهاشمية جعلت من مجتمعه مصنعًا للتخلّف والسلوك العدواني.
من يعيش وسط الجحيم لا يشعر بكامل بشاعته كما يجب.. ونحن في اليمن كنا لا نرى الصورة كاملة للهاشمية السلالية، وكانت احتجاجاتنا تنحصر في اتهام بعضنا البعض ومحاربة بعضنا البعض مذهبيًا وحزبيًا ومناطقيًا ونقد الرؤساء والنظم السياسية.. ماذا عن المؤسسة الدينية الهاشمية ومصادرة العقل اليمني ليسهل عليها استعباده، هذه المؤسسة رسخت   العادات والتقاليد المضادة للعقل والقيم الأخلاقية ومصالح الإنسان.
ماذا عن المثقفين ونرجسيتهم وثرثرتهم العدوانية واهتمامهم بالمال وبكأس الخمر والحصول على المعجبات أكثر من الاهتمام بأي قضية إنسانية أو وطنية، لا تحدثني عن المثقف الحزبي الذي دخل السجون، فهذا مجرد بيدق مغسول الدماغ (ناضل)، وسجُن وعُذب في سبيل حزبه الذي قام بنشاطات تخريبية ضد كيان الدولة، سواء كان اشتراكيًا أم ليبراليًا أم شيوعيًا أم قوميًا أم إسلاميًا.
الباحث همدان العليي حدد المنطلقات، وحمل السلالة الهاشمية مسؤولية الخراب والمآسي انطلاقًا من الافتراض بما يجب أن يكون عليه السلوك البشري الفردي والجماعي من إيجابية، وهذا المنطلق واقعيًا، فالسلالي ابتداء هو كائن (أناني شرير) في كل الحقب والأزمان والقرون المتعاقبة خلال ألف عام وحتي اللحظة، معنى هذا أن السلوك المتوحش للسلالي شذوذًا عن القاعدة البشرية، تتخذ هذه السلالة أعلى درجات الشعارات الدينية والفضيلة في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والوطن والمصالح (وتسوغ لنفسها إنتاج أبشع الأسلحة فتكاً بالحياة، وهو التجويع العنصري الذي ورد في كتاب الجريمة المركبة). وإذا كانت ثمة  شكوى وسخط يفترض توجيهه إلى اليمنيين وسلوكهم  الاعتباطي الذي سهاهم في جعل  السلاليين على هذه الشاكلة: ما بين حوثي  ظالم وسعيد.. ويمني مظلوم وحزين، حوثي غني وبجواره يمني محروم جائع على صعيد الأفراد والأسر!
.. ليس ثمة أمل لليمنيين في حياة يسودها العدل والخير.. بوجود هذه السلالة.... ماعدا حلم بعيد في أن يتمكن العلم من تعديل خلايا دماغ السلالي وتهذيبه من الأنانية والشر.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر