د. ثابت الأحمدي
د. ثابت الأحمدي
ذو القرنين ملك يمني قديم وليس قورش أو الاسكندر
الساعة 11:25 صباحاً

اطلعت على تغريدة في توتير للأخ العزيز الأستاذ عصام القيسي، وقد عزا فيها الملك اليماني ذا القرنين إلى فارس، وأنه "كورش/ قورش" حد تعبيره، وهذا الرأي الذي يقول به هو أضعف آراء المؤرخين قاطبة، ولا أدري من أين، وكيف استقاه؟ وقبل ذلك كيف استساغ صحة هذا الرأي على اطلاعه الكبير وثقافته الواسعة. 
والحقيقة أنه من زمن قديم ثار جدل طويل ـ ولا يزال ـ حول "ذي القرنين" نسبا، وشخصية، وزمانا، ومكانا. وعلى الرغم من كثرة الآراء حول هذه الشخصية، إلى الحد الذي أفرد له البعض مؤلفات خاصة بذلك إلا أنه لا يزال موضع جدل إلى اليوم. 
وقد تمحور الجدل ــ في غالبه ــ حول ثلاث شخصيات، كان لها حضورها العالمي "في المشرق والمغرب" سابقا. ولكلٍ منها ما يؤهل هذا الرأي أو ذاك أن يكون صحيحا، أو قريبا إلى الصحة، خاصة مع كثرة القياسات والاستدلالات التي يحشدها البعض، على تفاوت بينها؛ علما أن أحد الباحثين قد ذهب بعيدا ــ بلا منهجية علمية أو سند تاريخي ــ إلى القول أن ذا القرنين ليس الصعب ذو القرنين الحميري، ولا الاسكندر المقدوني، ولا قورش الفارسي، وأن ذا القرنين "القرآني" غير هؤلاء جميعا. انظر: ذو القرنين القائد الفاتح والحاكم الصالح، محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط:2، 1994م، 245.
 على أية حال.. كما أسلفنا أغلب الآراء متناقضة هنا، فثمة من ينسبه إلى الاسكندر المقدوني، وآخرون يرون أنه الملك الفارسي قورش الاخميني؛ بل إنّ هناك من المصريين من قال إنه "مرزيان" من أهل مصر، والأغلب من المؤرخين، وخاصة الثقات منهم يرون يمنيته، وهو ما تؤكده الأدلة والشواهد والاستنتاجات العلمية، كما سنرى.
أقول: ذو القرنين يمني سبئي تُبَّعي حِمْيري. وهو الملك الصعب ذو القرنين بن شمر الرائد ذي مراثد بن الحارث الرائش، ثالث التبابعة السبئيين، السبعين الذين ذكرهم المؤرخون، وأشار إليهم الشعراء، وكتب التراث زاخرة بتفاصيل حياتهم. عاش فيما بين 1418ـ 1350 قبل الميلاد. وعاصر الملك الفرعوني امنحوتب الثالث، ثم الملك امنحوتب الرابع.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه قد اختُلف في اسمه، فروى الزبير بن بكار عن ابن عباس: كان اسمه عبدالله بن الضحاك بن معد، وقيل مصعب بن عبدالله بن قنان بن منصور بن عبدالله بن الأزد بن غوث، بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن قحطان. انظر: البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط:1، 1988م،  539/2.
وقبل الولوج في تفاصيل الحديث عنه نورد الآيات الكريمة التي ذكرها القرآن الكريم في سورة الكهف، فهي المنطلق الأساس فيما نذهب إليه، إضافة إلى أقوال الإخباريين فالمؤرخين، وإن كان في أقول الإخباريين نظر؛ لكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد بها إذا وجدت ما يعضدها من شواهد أخرى، أو أن هذه الروايات في حكم المتواتر، أو لها ما يؤيدها من الأدلة البرهانية والحقائق العلمية. قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98).
ونستنتج من الآيات السابقات، إضافة إلى أقوال المؤرخين الثقات ما يلي:
1ـ كلمة "ذي/ ذو" وهي من الأسماء الخمسة المعروفة في اللغة، والمشتهرة في اللغة العربية بمعنى صاحب، ومستخدمة فصحىً وفصيحًا وعامية في هذا المعنى، كما ترد بمعنى الذي، أحيانا، فكيف للاسكندر الأكبر أن ينتسب بلقب أو اسم إلى اللغة العربية، وهي ليست لغته؟! 
2ـ كلمة "ذي/ذو" من لوازم الإضافات اللفظية لكثير من الملوك اليمنيين، سواء ذو القرنين أو غيره، كما أشار إلى ذلك المؤرخ محمد حسين الفرح، كالتبع السبئي الأول الحارث الرائش باران ذو رياش، أو الثاني شمر ذو الجناح، وكذا الحميريون ذو المنار وذو الأذعار وذو رعين وذو نواس وذو يزن...إلخ. ولم نقرأ عن ملوك غربيين أو شرقيين آخرين في ذلك الزمن كانت أسماؤهم أو ألقابهم تبتدئ بلفظة "ذو" أو "ذي" أو "ذا". وهي من القرائن القاطعة على يمنيّة ذي القرنين. 
3ـ روت أولى كتب الإخباريين ذلك، كوهب بن منبه وعبيد بن شرية، وإن كان في أقوال الإخباريين ما فيها كما أسلفنا. وأيضا قال ذلك المؤرخون الثقاة. فقد سُئل كعب الأحبار عن ذي القرنين فقال: الصحيح عندنا من أحبارنا وأسلافنا أنه من حِمْير وهو الصعب بن ذي مرائد/ مراثد. هو الذي مكن الله له في الأرض وآتاه من كل شيء سببا، فقيل له: فالاسكندر الرومي؟ قال: كان الاسكندر الرومي رجلا صالحا حكيما، بنى على بحر أفريقيس منارتين، واحدة بأرض بابليون، وأخرى في غروبها بأرض أرمينية، وإنما سمي بحر المغرب بأفريقيس، لأنه عظيم من عظماء التبابعة، أكثروا الآثار عليه في المغرب من المصانع والمدن والآبار. قال: وسئل كعب عن ذي القرنين، فقال: الصحيح عندنا من علوم أحبارنا وأسلافنا أنه من حِمْير، وأنه الصعب بن ذي مراثد، والاسكندر رجل من بني يونان بن عيص بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ورجاله أدركوا عيسى بن مريم، صلوات الله عليه، منهم جالينوس وأرسطوطاليس ودانيال..". انظر: كتاب التيجان في ملوك حِمْير، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين، تحقيق: مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، الناشر: مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صنعاء - الجمهورية العربية اليمنية، ط:1، 120.
وقال المقريزي في الخطط: اعلم أن التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله في كتابه العزيز فقال: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا) عربيٌّ، وأن اسمه الصعب بن ذي مراثد بن الحارث الرائش بن الهمال ذي سدد بن عاد ذي منح بن عار الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود ـ عليه السلام ـ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام. وأنه ملك من ملوك حمير، ملوك اليمن، وهم العرب العاربة، ويقال لهم أيضا العرب العرباء. وكان ذو القرنين تُبَّعًا مُتـوّجًا. ولما ولي الملك تجبر ثم تواضع لله، واجتمع بالخضر، وقد غلط من ظن أن الإسكندر بن فيلبس هو ذو القرنين الذي بنى السد، فإن لفظة ذو عربية، وذو القرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني. انظر: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط:1،، 1418هـ، 285/1.
مضيفا: سُئل ابنُ عباس رضي الله عنهما، عن ذي القرنين: ممن كان؟ فقال: من حِمْير، وهو الصعب بن ذي مراثد الذي مكنه الله تعالى في الأرض، وأتاه من كل شيء سببا، فبلغ قرني الشمس، ورأس الأرض، وبنى السدّ على يأجوج ومأجوج؛ قيل له: فالإسكندر؟ قال: كان رجلا صالحا روميا حكيما، بنى على البحر في إفريقية منارا وأخذ أرض رومة وأتى بحر الغرب، وأكثر عمل الآثار في الغرب من المصانع والمدن. نفسه، 286/1.
4ـ الملك ذو القرنين مؤمن، موحد، بل لقد ذهب البعض إلى أنه نبي من الأنبياء، بينما الاسكندر المقدوني الذي تلاه بزمن قياسي كبير وثني إغريقي، ومعلمه أرسطوطاليس، كما هو ثابت في كل كتب التاريخ، ولا علاقة له باليهودية أو المسيحية، وقد كان ذو القرنين قبل موسى عليه السلام بمئة وعشرين سنة، وقبل عيسى بـ 1418 عاما. وبينيه وبين محمد 1988 عاما على وجه التقريب، مع أن هناك من المؤرخين من ينسبه إلى زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام، وأنه أسلم على يده، وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل، حسبما ذكر ابن كثير في تاريخه، وبعضهم إلى زمن موسى بعده، مستشهدا بشخص خضر موسى الذي تقابل مع ذي القرنين ورافقه في رحلته. وأخرج ابن الجوزي في تاريخه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملك الأرض مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود، وسيملكها خامس من هذه الأمة. البداية والنهاية، ابن كثير، سابق، 536/2. 
قال ابن تيمية في سياق رده على من يعتقدون أن الاسكندر المقدوني هو ذو القرنين: "وقد يظنون أن هذا هو ذو القرنين المذكور في القرآن، وهذا جهل. فإن هذا الاسكندر بن فيلبس لم يصل إلى بلاد الترك، ولم يبن السد، وإنما وصل إلى بلاد الفرس، وذو القرنين المذكور في القرآن وصل إلى شرق الأرض وغربها، وكان متقدما على هذا..إلخ". انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، 161/4.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: "الإسكندر المقدوني، وهو ابن فيلبُّس، وليس هو بالاسكندر ذي القرنين الذي قص الله تعالى نبأه في القرآن؛ بل بينهما قرون كثيرة، وبينهما في الدين أعظم تباين. فذو القرنين كان رجلا صالحا، موحدا لله تعالى، يؤمن بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكان يغزو عُبَّاد الأصنام، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وبنى السدين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج؛ وأما هذا المقدوني فكان مشركا يعبد الأصنام هو وأهل مملكته، وكان بينه وبين المسيح نحو ألف سنة وستمئة سنة، والنصارى تؤرخ له..". انظر:  إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان، الإمام أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عزيز شمس، دار عالم الفوائد، د.ت، 1027.
 فهل يكون ذو القرنين هنا الاسكندر الوثني أو قورش المجوسي؟!! وبعلم الجميع أن النبوة قبل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت في بني إسرائيل. وإلى إسلام الرجل أشار القرآن الكريم والأحاديث النبوية وكتب الإخباريين والمؤرخين والشعراء. قال ابن كثير: "ذكر الله ذا القرنين هذا، وأثنى عليه بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب، وملك الأقاليم وقهر أهلها، وسار فيهم بالمعدلة التامة والسلطان المؤيد المظفر المنصور القاهر المقسط، والصحيح أنه كان ملكا من الملوك العادلين، وقيل: كان نبيا، وقيل: كان رسولا، وأغرب من قال: كان ملَكا من الملائكة. وقد حكي هذا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فإنه سمع رجلا يقول لآخر: يا ذا القرنين، فقال: مه؟ ما كفاكم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة. ذكره السهيلي". البداية والنهاية، سابق، 536/2.
وبعلم الجميع أن الأنبياء لم يجاوزوا المنطقة العربية تقريبا في رسالاتهم السماوية؛ بل الجزيرة العربية وأطرافها كما يذهب البعض..! فكيف يكون نبيًّا من اليونان؟! 
5ـ القرآن الكريم يقول: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ..) ومدلول الآية يقتضي القول أن رحلته ابتدأت من الشرق حتى بلغ المغرب، وهذا ما يؤكد يمنيته، باعتبار اليمن شرقية، وذو القرنين شرقي، بينما اليونان غربية، والاسكندر المقدوني غربي، وإن كان للاسكندر المقدوني رحلة ما فستكون غربية شرقية، وبالتالي فسيقول القرآن الكريم عكس ما قال تماما. مع مراعاة أن قورش أيضا شرقي؛ لكن لا علاقة له بما ذكر، مرة أخرى. يقول المؤرخ الفرح: "وقد بدأت رحلة الصعب ذي القرنين بمسيره من عاصمة سبأ في اليمن بموكب عظيم وجيش كثيف إلى الشام، فسلك الطريق الذي سلكه الحارث الرائش، وهو طريق نجد وطريق طيء حتى خرج ما بين العراق والجزيرة الفراتية، فنزل بالموصل.. فأقام بها فترة، ثم سار منها إلى سوريا ومناطق ساحل الشام، ومنها إلى سيناء، ثم إلى مصر". انظر: الجديد في تاريخ دولة وحضارة سبأ وحمير، محمد حسين الفرح، 171.
ويضيف: "وقد تم العثور في موقع سرابيط الخادم بسيناء على نقش مصري هيروغليفي للوزير ـ سويك حتب ـ وزير الملك امنحوتب الثالث، يذكر وصول واستقبال عظماء اليمن.. وصلوا ودخلوا بسلام إلى مصر في السنة 36 من حكم امنحوتب. ونرى أن لذلك النقش علاقة بوصول الملك الصعب ذي القرنين وموكبه العظيم إلى مصر، ولا بد أنه أقام فترة في مصر، وعاصمتها مدينة طيبة في ضيافة الملك امنحوتب الثالث. نفسه، 172.
6ـ الشعر. 
ذكر الشعراء الحميريون قبل الإسلام ذا القرنين في شعرهم، كقول أحدهم: 
قد كان ذو القرنين جدي مسلما   
ملكا تدين له الملوك وتحشد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي   
أسباب ملك من كريم سيد
وقال امرؤ القيس: 
ألم يحزنك أن الدهر غول   
ختور العهد يلتهم الرجالا
أزال من المصادر ذا رياش   
وقد ملك السهولة والجبالا
همام طحطح الآفاق وحيا   
وقاد إلى مشارقها الرعالا
وسد بحيث ترقى الشمس سدا   
ليأجوج ومأجوج الجبالا
وقال الهمداني: قال أسعد تبع الحميري: 
جدتي الخير حين تذكر بلقيس    
ومن نال مطلع الشمس جدي
انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، 103/2. والإكليل، الهمداني 198/8.
كما ذكره أيضا بعد ذلك من الشعراء الجاهليين: قس بن ساعدة الإيادي، وطرفة بن عبد البكري. والأهم من هؤلاء كلهم شاعر الرسول حسان بن ثابت الذي قال فيه ضمن قصيدة له: 
لقد كان قحطان الندى القرم جدنا   
له منصب في رافع السمك يشهر
ينال نجوم السعد إن مد كفه    
تقل أكف عند ذلك وتقصر
ورثنا سناء منه يعلو ومتحدا   
منيف الذرى سامي الأرومة يذكر
إذا انتسبت شُوس الملوك فإنما    
لنا الراية العليا التي ليس تكسر
لنا ملك ذي القرنين هل نال ملكه    
من البشر المخلوق خلق مصور؟
بواتر يتلو الشمس عند غروبها    
لينظرها في عينها حين يدخر
ويسمو إليها حين تطلع غدوة     
فيلمحها في برجها حين يظهر
وقال نشوان بن سعيد الحميري في ملحمته الحميرية "النشوانية": 
والرائد الملك المتوج تبع     
ملك يرود الأرض كالمساح
فتح المدائن والمشارق وانتحى   
للصين في برية وبراح
فأذاق بعبر حتفه فدحى به    
في عقر لحد للمنية داحي
وأحل من يمن بتبت معشراً     
أضحوا بها عنا من المزاح
والترك قبل الصين كان لهم به    
يوم شتيم الوجه والأكلاح
وأورد ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" لشاعر يمني من الحارثيين فاخَرَ أقواما من مصر هذين البيتين: 
سموا لنا واحدا منكم فنعرفه   
في الجاهلية لاسم الملك محتملا 
كالتبعين وذي القرنين يقبله   
أهلُ الحجا فأحقُّ القول ما قُبلا
انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، محمد فؤاد عبدالباقي، وتصحيح وإشراف: محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ،  385/6.
وفي الإصابة: روى ابن شاهين، من طريق ابن الكلبيّ، عن وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه عن جدّه، قال: قدم ذو منادح وذو دجن وذو مهدم على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لهم: انتسبوا. فقال ذو مهدم:
على عهد ذي القرنين كانت سيوفنا    
صوارم يفلقن الحديد المذكّرا
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط:1، 1415هـ، 344/2.
7ـ ذكر العلامة الفقيه محمد أبو اليسر عابدين، في كتابه "أغاليط المؤرخين" عن اختلاف الآراء حول ذي القرنين، هل هو فارسي؟ أو رومي؟ أو يوناني؟ وهل هو الاسكندر أم لا؟ أن ذا القرنين عربيٌ، مسلمٌ، صالحٌ، من أذواء اليمن. انظر: أغاليط المؤرخين، محمد أبو اليسر عابدين، مكتبة الخانجي، 1391هـ، 287، فما بعدها.
8ــ رجح المؤرخ أبو الريحان البيروني في كتابه "الآثار الباقية عن القرون الخالية" بعد استعراض للأسماء المختلف بشأنها حول شخصية ذي القرنين أن ذا القرنين هو أبو كرب شمر يرعش بن افريقيس الحميري، مشيرا إلى سبب التسمية بالقول: "وسمي بذلك لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه، وأنه بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وجاب شمالها وجنوبها، ودوخ البلاد وأذل العباد". انظر: الآثار الباقية من القرون الخالية، أبوي الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط:1، 2008م، 47. 
مضيفا: فإن الأذواء كانوا باليمن، دون غيره من البقاع، وهم الذين لا يخلو أساميهم من ذي المنار، وذي الأذعار، وذي الشناتر، وذي نواس، وذي جدن، وذي يزن وغيرهم، وأخباره مع هذا تشبه ما حكي عنه في القرآن. نفسه، 48.
وذهب آخرون أنه سمي بذلك؛ لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها، وقرن الشمس من مطلعها. انظر: ذو القرنين وسد الصين، محمد راغب الطباخ، عناية وتقديم: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار غراس للنشر والتوزيع، ط:1، 2003م، 136.
9ــ قال المؤرخ أبو الفداء الملك المؤيد في تاريخه "المختصر في أخبار البشر" في إطار حديثه عن ذي القرنين: ".. بل ذو القرنين الذي ذكره الله في القرآن، وهو ملك قديم، كان على زمن إِبراهيم الخليل عليه السلام. قيل إِنه: أفريذون، وقيل غيره. وقد غلط من ظن أن باني السد هو الإسكندر الرومي، وكذلك قد استفاض على ألسنة الناس أن لقب الإسكندر المذكور ذو القرنين، وهو أيضاً غلط، فإِن لفظة ذو لفظة عربية محض، وذو القرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن، وكان منهم ذو جدن، وذو كلاع، وذو نواس، وذو شناتر، وذو القرنين، الصعب بن الرايش، واسم الرايش الحارث بن ذي سدد بن عاد بن الملطاط بن سبأ".
انظر: المختصر في أخبار البشر، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، المطبعة الحسينية المصرية، د. ت، 45/1.
وقد قيل إِن ذا القرنين الصعب المذكور هو الذي مكّن الله له في الأرض وعظم ملكه، وبنى السدّ على يأجوج ومأجوج.
10ــ أفرد المؤرخ المعاصر محمد راغب الطباخ كتابا خاصا عن ذي القرنين استقصى فيه كل ما يتعلق بذي القرنين، مستعرضا جميع الآراء السابقة واللاحقة، ورجح أن ذا القرنين عربي، يمني، صالح، تهيأت له كل أسباب النجاح، فملك الدنيا شرقها وغربها. انظر: ذو القرنين وسد الصين، سابق، 28 فما بعدها. وانظر أيضا الإكليل للهمداني، 187/8، فما بعدها. 
11ــ الخوذة ذات "القرنين" التي لبسها على رأسه لباس يمنيٌ قديمٌ على الرأس، من ألبسة الجند، ذكرته النقوش اليمنية. وتكتنز النقوش والصور اليمنية القديمة بصور محاربين وملوك على رأسهم الخوذة العسكرية. وهي الخوذة التي اشتهر بها في كتب الإخباريات وكتب التاريخ. 
12ــ استخدم ذو القرنين لفظة "زُبَر" جمع "زُبْرة" في قوله تعالى على لسانه: (آتوني زبر الحديد) وهي من الألفاظ اليمنية التي لا تزال موجودة إلى اليمن في مختلف أصقاع اليمن؛ وهي الكتلة الحديدية الثقيلة التي تقطع الأحجار، ويستخدمها الوقَّاصون والبناؤون في تكسير الأحجار وتشذيبها إلى اليوم. 
أخيرًا لا ننسى أن نشير هنا إلى أن كثيرا من المفسرين، وخاصة ذوي الأصول الفارسية قد تعمدوا حرف حقائق التاريخ عن مسارها، ونسبوه إلى الاسكندر حين عجزوا عن نسبته إلى ملكهم "قورش" غيرة من أن يكون للعرب زعيم تاريخي قبل الإسلام، أشاد به القرآن الكريم، وحكم مشارق الأرض ومغاربها، ومنهم: النيسابوري والسمرقندي والطبري والرازي، والبغوي، وغيرهم، وكان كلُّ خَلَفٍ يعتمد ما ذهب إليه سلفُه حتى فاضتْ كتب التفاسير بهذا الفكر المغلوط لدى الكثير. 
والآن بعد هذه الأدلة.. هل لا يزال الأستاذ عصام مُصرًا على فارسية "ذي القرنين"؟! وهل يمتلك دليلا علميا صريحا خالٍ من المعارضة على ذلك؟

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر