أنور العنسي
أنور العنسي
عن هجرة الشباب العرب إلى الغرب
الساعة 09:39 مساءاً

يصر كثيرٌ من شباب العالم الثالث على الهروب إلى شمال الكرة الأرضية، فراراً من سعير الحروب، ووطأة الاستبداد، ومساوئ الفساد في أوطانهم، وذلك أملاً في النجاة من كل هذا في بلدان الغرب.
قد يكون في هذه الأسباب بعض الوجاهة، ولكن هل بالضرورة أن يصل ثمن هذا الأمر إلى هذه الدرجة من التضحية وبذل النفس والنفيس مقابل ذلك؟
دعونا نناقش المسألة بقدرٍ من الهدوء والتركيز والتفكير بطريقةٍ علمية ومنهجية عالية.
بدرجات متفاوتة تحت (الصفر) أو أعلاه قليلاً، ترتعش هذه الأيام أممُ شمال العالم في شرق المتوسط والغرب الأوربي والأمريكي وسط أسوأ موجات صقيع، وضربات ثلجية، وأزمات وبائية،  وارتفاع حاد في مستويات ومتطلبات المعيشة، وانتكاسات في أداء ما تخيلناه سابقاً أقوى أنظمة اقتصادية واجتماعية وخدمية عامة في التاريخ.. كل هذا بالتزامن مع تحديات أمنية هي الأسوأ من كل ما عرفته منذ الحرب العالمية الثانية، 
فالأمم (غير) المتحدة تعيش اليوم تحت وطأة كابوس الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا وأثر ذلك على مستقبل أوروبا وحلف (الناتو) والنظام العالمي عموماً، إلى جانب متغيراتٍ دراماتيكية متوقعة في مناطق عدةٍ من العالم.
يجدر بدول الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا أن تعي أن (الشمال) الغني بات فقيراً، على الأقل في ما اعتقدنا أنه وفّره للقانون الإنساني من حقوق وقِيم ومُثُل وتقاليد.. الغرب ليس جمعية خيرية، بل هو نظام صارم في تطبيق ما تصور أنه (نظام) يحمي استقراره ويحترم ما هو من وجهة نظره مشروعٌ وقانونيٌ من حقوق الإنسان، ولا يحتمل أي خرق لهذا من قبل عشرات المهاجرين واللاجئين الذين قدموا إليه معتقدين أنه يمكنهم العيش فيه بِحُرِّيةٍ وأريحية يمارسون بهما ذات التقاليد التي اعتادوا عليها في أوطانهم الأصلية.
مهاجرون ولاجئون عديدون جاؤوا بنسائهم وأطفالهم إلى الغرب، وأرادوا العيش والاستقرار فيه، والتعامل في ذات الوقت مع زوجاتهم وأطفالهم بنفس تقاليد مجتمعاتهم الأصلية في ما يختص بمسائل الوصاية على الزوجات وتربية الأطفال بمعايير لا تتفق مع شروط (الاندماج) المجتمعي النمطية البيروقراطية في الغرب، فكانت النتيجة انفصال الكثير من الزوجات عن أزواجهن، واضطرار بعض السلطات المحلية إلى أخذ بعض الأطفال وفصلهم عن والديهم لحمايتهم من (العنف الأسري).
بعض العائلات التي نجحت في الاحتفاظ بأبنائها تفاجأت بوقوع هؤلاء الأبناء لاحقاً بما يمكن اعتباره صراع هوية بين تقاليد البيت وقيم الاندماج مع المجتمع خارج البيت، فأصبحوا ضحية لاضطرابات نفسية وعقلية خطيرة دفعت ببعضهم إما إلى إدمان المخدرات أو ترك العائلة أو الإكتئاب في المنزل في أحسن حال.
ضريبة الغربة والحرية مكلفة جداً خصوصاً عندما لا يدرك الأبوان خطورة الضغط على أبنائهم وبناتهم للنجاح التعليمي والمهني دون وعي بأهمية أن يُعطى هؤلاء حرية القرار والاختيار  وتقرير مصائرهم بأنفسهم، سيما أن مناهج وأساليب التعليم في الغرب تركز على جعل التلاميذ يتعلمون كيف يمكنهم الاعتماد على أنفسهم والاستقلال بذواتهم بعيداً عن عائلاتهم، حيث أعلت كثير من السياسات الغربية من شأن حرية الإنسان كفرد بعد سن الثامنة عشرة ورفضت هيمنة الأسرة عليه بعد هذه السن.
يتفق هذا تماماً مع ما ذهب إليه جبران خليل جبران بقوله: "أولادكم ليسوا لكم
‎أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليسوا منكُمُ".
قصارى القول أنه لا يمكنك في الغرب أو سواه أن تجعل من أبنائك نسخة منك، بل إنك في نهاية المطاف لا تجعلهم يكونوا أنت، أو يكونوا هم أنفسهم، فلكلٍ حياته وزمنه اللذين هما بالتأكيد غير حياتك وزمنك!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر