زيد الفرح
زيد الفرح
لماذا رفض الإمام يحيى حكم الجنوب.. وهل كان عميلاً للإنجليز؟
الساعة 03:15 مساءاً

في عام 1918م كتب الجنرال العثماني علي سعيد باشا قائد ومتصرف نواحي الجنوب، ويتمركز في لحج، عدة رسائل الى صنعاء يطلب فيها إرسال مندوب من الإمام يحيى لاستلام مناطق الجنوب التي كان مركزها لحج، وهي -كما في رسالته بتاريخ 2 نوفمبر 1918م- لحج، والضالع، والصبيحة، والحواشب، ويافع، وبلاد الفضلي، وكذلك بلاد حضرموت...، بالإضافة الى المناطق "من ساحل باب المندب الى شقرة والمواقع العثمانية المقابلة لباب مدينة عدن وللشيخ عثمان داخل عدن". وبالتالي كل الجنوب اليمني باستثناء ميناء عدن وداخل مدينة عدن التي كان يحتلها الانجليز.
وتبلغ مساحة الجنوب نحو (330 الف كيلو متر مربع) وقال سعيد باشا في رسالته "إن لليمن مفتاحين مهمين، هما لحج -مركز نواحي الجنوب- وباب المندب.. فإننا نرجوكم بإرسال أي كائن يكون الى لحج وباب المندب لاستلامهما" انتهى.
وتكررت رسائل وتوسلات سعيد باشا حتى شهر ديسمبر إلى الإمام يحيى ولكن دون جدوى، وقال في رسالة تلغرافية من آخر رسائله ما يلي نصه: "نحن مجبورون على ترك تربة اليمن المقدس واهله إخواننا.. فإذا نحن تركنا هذا اليمن المقدس فإننا نتمنى لإخواننا في الدين، الاتحاد والاتفاق التام، وأن لا يقبلوا تولية النصارى قطعياً".. انتهى ص 64 - التاريخ العسكري.
والحقيقة أنه لما تقرر رحيل الأتراك من اليمن 1918م بموجب شروط هدنة مندروس بين تركيا وبين الحلفاء، صدرت تعليمات الحكومة العثمانية (في تركيا) الى والي اليمن بالجلاء وتسليم الحكم الى الإمام يحيى، وبذلك أصبح الإمام يحيى ملك اليمن، وكان من الطبيعي أن يقوم الإمام بإرسال نواب ومندوبين لاستلام الحكم من العثمانيين في لحج (مركز ادارة نواحي الجنوب) وغيرها.. ولكن الإمام لم يفعل! 
وكان الجنرال علي باشا لا يعرف شيئاً عن العلاقة والاتصالات السرية بين الإمام يحيى والانجليز في عدن وبالمعتمد البريطاني هارولد جاكوب، الذي أشاد بموقف الإمام يحيى أثناء فترة الحرب العالمية الاولى (1914 – 1918م) وقال إن الاتصالات والعلاقات بالإمام يحيى آنذاك "كانت تقدم لنا –أي للانجليز– خدمة فائقة القيمة ولا تقدر بثمن". (ص 211 – جاكوب).
- يقول د. سيد مصطفى سالم في كتاب تكوين اليمن الحديث: "نعتقد أن من بين أسباب تقاعد الإمام يحيى عن تلبية نداء سعيد باشا خوفه من نشاط الإدريسي في تهامة.. فقد تقاعد الإمام عن (استلام الجنوب) من أجل تهامة التي لم يتقرر مصيرها بعد". (ص 269).. 
- ثم استعمل الانجليز ورقة تهامة (الحديدة) للمساومة على الجنوب.. كذلك ينقل د. سيد سالم عن كتاب survey of intennational affairs 1925  أن الصلات الطيبة بين الإمام يحيى والانجليز "أدت الى عدم تلبية الإمام يحيى دعوة سعيد باشا، فالإمام يحيى كان يعتقد أنه سيحصل على الجنوب بطريق سهلة -أي من الانجليز بعد رحيل العثمانيين- ولكن توالى الأحداث أتت بما لا يشتهي الإمام أو بما لم يتوقع". (انتهى ص 268) 
- لقد فوجئ اليمنيون الذين كانوا يعرفون برسائل سعيد باشا بأن الانجليز في عدن أخذوا يعيدون بسط الحماية الاحتلالية على مناطق الجنوب اليمني (عام 1919 – 1920م) وكانت عبارة سعيد باشا الاخيرة لليمنيين "أن لا تقبلوا تولية النصارى على تربة اليمن المقدس قطعياً"، هي شعار الجميع.. فثارت القبائل اليمنية في بلاد الضالع وغيرها، واشتركت قوات شمالية بموافقة الإمام يحيى في إعادة بسط السيادة اليمنية على بلاد الضالع (أواخر عام 1920م) واستمر اليمنيون (عام 1921- 1926م) في بسط السيادة على العديد من مناطق الجنوب ومنها (القطيب) و(الشعيب) و(الأجعود) و(العواذل العليا) عام 1924م (والعواذل السفلى مطلع عام 1926م).
- وفي يناير وفبراير 1926م وصل للتباحث مع الإمام يحيى وحكومته بشأن الجنوب اليمني، وفد بريطاني برئاسة (السير كليتون).. وكانت بريطانيا عرضت على الإمام يحيى (عام 1923م) الاعتراف بسيادته على لحج وحضرموت فلم يوافق على ذلك –ص 117 ماكرو– حيث كان من الطبيعي أن يطالب الإمام يحيى بكل مناطق الجنوب التي رفض استلامها من العثمانيين بما في ذلك باب وساحل المندب، لأنه إذا لم يفعل سيتم اعتباره خائنا ومتآمرا بتمليك (النصارى على تربة اليمن المقدس)..
 اما في بعثة السير كليتون (عام 1926م) فقد طلب الانجليز من الإمام يحيى كل الجنوب اليمني وسحب القوات من الضالع والعواذل وغيرها باعتبار أن الجنوب اليمني تحت الحماية البريطانية.. وكان من الطبيعي أن ترفض حكومة الإمام يحيى ذلك العرض والطلب البريطاني الذي استمرت اتصالات بشأنه إلى اكتوبر 1926م.
وفي عام 1934م تم تقسيم اليمن الى شطرين بموجب المعاهدة التي أبرمها المقيم السياسي البريطاني في عدن (برنارد رايلي) مع حكومة الإمام يحيى في صنعاء (فبراير 1934م) واشترط (برنارد رايلي) للتصديق عليها انسحاب الإدارة والقوات التابعة للحكومة المتوكلية من مناطق الضالع والعواذل وبيحان ويافع وغيرها فانسحبت القوات والادارة من 69 قرية ومنطقة في الضالع وما جاورها وثمان مناطق وقرى في العوالق –بلاد الفضلي والعولقي– وبات جنوب اليمن تحت استعمار وحماية بريطانيا.
وقد أتاحت المعاهدة للاستعمار البريطاني في عدن القيام عام (1934م - 1937م) بإخضاع المقاومة في العديد من المناطق الجنوبية بعد شنّ هجمات برية وجوية على قبائلها وتحويل بعض المشائخ إلى سلاطين وأمراء وإبرام وتجديد معاهدات معهم ووضعهم تحت إشراف مستشارين بريطانيين.
وفي عام 1939م قامت قوة بريطانية ومعها أمير بيحان بغزو منطقة شبوة التى كان الشيخ الشهيد على ناصر القردعي حاكماً لها من جانب الإمام يحيى وقد تصدى القردعي بقوته المحدودة (500 مقاتل ورشاشين) للقوات البريطانية عدة أسابيع انتظر خلالها إرسال إمداد عسكري من الإمام يحيى الذي ماطل وامتنع عن ذلك حتى اضطر القردعي الى الانسحاب من شبوة وتم للانجليز احتلالها بسبب تهاون الإمام في يونيو 1939م (ربيع الثاني 1358 هجرية).
واكتفى الإمام يحيى بإذاعة بيان (عن واقعة شبوة والعبر وملحقاتها التى استولت عليها القوات البريطانية)، واستعطف الامام يحيى في البيان "جلالة الملك جورج السادس المعظم ملك بريطانيا وشعبه المنصف الكريم تحقيق هذه المعاملة". بينما وجه القردعي اتهاماً صريحا للامام يحيى بالتوطؤ مع الاستعمار البريطاني حيث قال القردعي في قصيدة له:
قد هم على شور من صنعاء الى لندن
متخابرين كلهم سيد ونصراني

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر