ما الذي تحمله تحركات طارق صالح الأخيرة في اليمن؟
طارق صالح

الساعة 01:02 صباحاً (توفيق علي إندبندنت عربية)

يبدو أن التطورات العسكرية والسياسية في طريقها إلى خلق أفق جديد في فضاء المشهد اليمني تنفذ من خلاله مع بقية القوى والمكونات المناهضة للمشروع الحوثي، إلى طريق العودة نحو “استعادة الدولة” التي أسقطها انقلاب الجماعة الموالية لإيران، بعدما تاهت بوصلة المهمة في درب سبع سنوات عجاف لا يُعلم لها قرار.

ومع حالة الفشل العسكري للشرعية الذي يقابله تقدم حوثي مضطرد على الأرض، تفرض معطيات الأحداث حاجة ماسة إلى تدارك التداعي العسكري المتلاحق في مختلف الجبهات وأهمها محافظة مأرب، آخر عروش الشرعية اليمنية شمالاً، بعدما أخفقت الأدوات السابقة في إنجاز مهمات اللحظة التاريخية التي أُنيطت بها، بل وراحت بدلاً من ذلك، تنشغل بمعارك جانبية ذات كيد سياسي ونفعي لا علاقة لها بتحسس طريق صنعاء، أو وقف التمدد الميليشياوي المتسارع في باقي المحافظات في الأقل.

حراك نوعي

ولعل أبرز تجليات هذا الحراك ما تشهده شواطئ الساحل الغربي من بوادر خروج كيان سياسي وعسكري يشمل أطياف القوى التي تحارب الحوثي، وفي مقدمتها المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وقائد حراسته، ومعه قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية، في ظل ترحيب حكومي ومن باقي القوى السياسية اليمنية.

للخطاب ما بعده

وفي ملمح جديد لصورة المشهد اليمني الملتهب والمتداخل، حمل خطاب “قائد المقاومة الوطنية”، “رئيس المكتب السياسي” العميد طارق صالح، الخميس الماضي، رسائل جاءت في الاجتماع الأول لـ”المكتب السياسي” الذي جرى في مدينة المخا (غربي تعز)، عدَّه مراقبون تطوراً متقدماً للقيادي العسكري الذي ظل خطابه موجهاً للميليشيا الحوثية، منتهجاً سمة الحياد إزاء “رفاق السلاح” مع تجنبه ذكر “الشرعية” المعترف بها دولياً أو التطرق إليها، منذ خروجه الدراماتيكي من صنعاء بُعيد “انتفاضة 2 ديسمبر” (كانون الأول) 2017 التي قُتل إثرها عمه، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، عندما كان طارق صالح يتولى قيادة الحرس الخاص واللواء الثالث حرس جمهوري.

وخلص صالح في خطابه إلى أن المرحلة الحالية “تستدعي تلاحم الصفوف لخوض ملحمة الدفاع الوطني ضد ميليشيا الحوثي” في تطور يشي باضطلاع المقاومة بمهمة عسكرية وسياسية جديدة على طريق استعادة الجمهورية التي انتظرها اليمنيون كثيراً.

وكما هو معلوم، فإن تحركات طارق صالح تستند إلى الكيان السياسي الجديد الذي بدأ عسكرياً منذ سنوات، ونواته الجنود والضباط والقادة الذين كانوا يشكلون قوام قوات الرئيس اليمني السابق وأبرزها ألوية “الحرس الجمهوري”، ليتطور أخيراً ليصبح كياناً سياسياً – عسكرياً جديداً حمل اسم “المكتب السياسي للمقاومة الوطنية” الذي أُعلن عنه في مارس (آذار) الماضي، بتمثيل من كل أطياف المجتمع اليمني.

مقاومة حقيقية

وطالب طارق صالح في خطابه بتوظيف كل الطاقات لتشكيل مقاومة حقيقية لمواجهة المشروع الحوثي الإيراني في اليمن، مؤكداً حرصه على أن تكون المقاومة فاعلة في الشرعية وتدعم أي عمل تقوم به لاستعادة الدولة. وقال “نمد أيدينا لتطوير هذا العمل في تكوين كتلة صلبة تستطيع مواجهة المشروع الإيراني واستعادة عاصمتنا”.

وكشف عن أن الهدف الرئيس من تكوين هذه الكتلة “هو تحرير اليمن وعودة الجمهورية والدولة المستقرة وحرية أبنائها، وصولاً إلى اختيار مَن يمثل اليمنيين عبر صناديق الاقتراع لا عبر طرف ما”.

كما أكد أن “المقاومة الوطنية هي امتداد لكل جمهوري، وتمثل كل المناطق اليمنية”، مشيراً إلى الدور الكبير والتضحيات الجسام للمقاومة الجنوبية (المجلس الانتقالي الجنوبي حالياً) في قتال الحوثي”.

مع الشرعية

ما يكشف طبيعة تطور التوجه المرتقب، هو تضمن الخطاب لغةً جديدة أعلن من خلالها صالح أن قواته ليست إلا في صف الشرعية والتحالف العربي ومشروع استعادة الدولة، بعد سنوات من تجنبه ذكرها.

وحمل حديثه إشارة إلى المستجدات العسكرية في مأرب وشبوة، وقال إن “ما حققته ميليشيات الحوثي ليس من قوة وإنما بتفكك القوى الوطنية وصراعها على السلطة وعلى التعيينات في الخارج”، في إشارة إلى التباينات السياسية والعسكرية داخل صف الشرعية اليمنية التي أتاحت الفرصة للحوثيين للتمدد في مناطق واسعة أخيراً.

الفعل المباشر

وأمام جملة هذه التطورات، شدد طارق صالح على أن “المرحلة المصيرية والواجب الوطني والتاريخي يقتضيان الانتقال المباشر إلى ميدان الفعل، وتلاحم كل القوى والمكونات في معركة الدفاع عن مستقبل اليمن وحرية الشعب وكرامته في مواجهة الميليشيا الحوثية الإرهابية والعنصرية، والمشروع الإيراني الدموي الذي حمل التشظي والجريمة والخراب والفقر إلى بلدان مختلفة”.

شراكة فاعلة

كما شدد في ضوء مستجدات الساحة العسكرية، على “ضرورة العمل الجاد لتحقيق شراكات فاعلة مع مختلف القوى الوطنية من أحزاب وتنظيمات ومقاومات شعبية، وبما تتطلبه المرحلة وحجم المعركة المصيرية ضد ميليشيا الحوثي التابعة لإيران”.

ضرورات الخطر

وفي بيان صدر عقب اجتماعه الأول، قال المكتب السياسي للمقاومة الوطنية إن “الضرورات والأخطار المحدقة تستوجب من الجميع وتحت مظلة الشرعية العمل بجهد موحد، للانتصار في المعركة المصيرية والوجودية لليمن والعرب جميعاً ضد ميليشيا الحوثي ومشروع إيران التخريبي في المنطقة العربية”.

وأشاد المكتب السياسي “بالدور الذي يقوم به التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في دعم ومساندة الشعب اليمني، وامتزاج الدم الواحد في معركة تحرير اليمن من ميليشيا الحوثي الإرهابية والتمدد الفارسي”، مندداً بـ”الاعتداءات الحوثية المتكررة على أراضي السعودية”. وشدد على أن “اليمن كان ويجب أن يظل عاملاً معززاً لأمن واستقرار الأشقاء في المملكة وجميع دول المنطقة”.

ترحيب متبادل

ومثلت تحركات “المقاومة الوطنية” بالنسبة إلى اليمنيين المناهضين مشروع الحوثي بارقة أمل واستبشروا بتبنيه مشروع “استعادة الجمهورية”، خصوصاً وهو يدعو إلى توحيد المعركة بين القوى السياسية في مواجهة الحوثيين تحت مظلة الشرعية.

وقوبلت دعوته بترحيب أطراف سياسية ومكونات حزبية وناشطين، بما اعتبره مراقبون خطوة متقدمة نحو عمل سياسي ميداني منظم سيثمر خطوات فعلية حقيقية نحو استعادة الدولة.

ورحب مجلس الوزراء اليمني بما ورد في خطاب طارق صالح، ما يكشف عن تقارب نوعي سيضع محددات سياسية وعسكرية بين الشرعية والمقاومة الوطنية تمهد الطريق نحو صنعاء.

ووصف مجلس الوزراء حديث صالح بـ”الخطاب المسؤول الذي يؤكد توحيد الجبهة الوطنية لمقاومة الحوثي من مختلف المكونات والقوى السياسية لاستعادة الجمهورية والدولة تحت إطار الشرعية وبدعم من التحالف العربي”، حسبما أفادت وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”.

“الانتقالي” مُرحباً

وفي مؤشر على بوادر توسع رقعة عمل المجلس الجديد على المستوى الوطني، صدر ترحيب من المجلس الانتقالي الجنوبي.

وقال المتحدث باسم “الانتقالي” علي الكثيري، “نرحب في المجلس الانتقالي الجنوبي بأي جهود لتوحيد الصف لمواجهة الميليشيات الحوثية على امتداد خطوط التماس في الجنوب واليمن”. وأضاف “نبدي استعدادنا للشراكة مع المقاومة الوطنية، ودعمها للتحرر من تلك الميليشيات، وكسر بغيها وإبعاد خطرها عن بلادنا والمنطقة، مع تأكيدنا تمسكنا بأهدافنا الوطنية الجنوبية”.

في السياق، أثنى أمين عام حزب “التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري”، عادل العقيبي، على “مضامين خطاب العميد طارق صالح، ودعوته إلى توحيد صف القوى الوطنية الجمهورية على طريق استعادة اليمن والجمهورية ودولتها وحماية الشعب وحرياته”.

وكان مجلس الوزراء اليمني نوَّه بما صدر عن “المجلس الانتقالي من ترحيب بهذه الدعوة، وأهمية العمل جميعاً على توحيد الصف لمواجهة الميليشيا الحوثية ومشروعها الإيراني والتخلص من خطرها على اليمن والمنطقة العربية”.

التحية بأحسن منها

وفي رده، ثمَّن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية ترحيب الحكومة بدعوة رئيسه المطالِبة بتوحيد الصف الوطني لمواجهة الحوثيين. وأعرب عن أمله أن تمضي الحكومة قدماً نحو ترجمة حقيقية لهذا الهدف الوطني، وتحويله إلى واقع.

كما أكد أن “الوقت حان لتجاوز كل الخلافات، وأن يتحمل الجميع مسؤوليتهم التاريخية تجاه أجيال الحاضر والمستقبل، لا سيما وقد أوصلت جماعة الحوثي البلاد إلى حافة الانهيار”.

اقرأ أيضاً: طارق صالح: ما يجري في صنعاء تجريف للهوية اليمنية والمرحلة حرجة

ذراع سياسية

لإعطاء لمحة عن طبيعة مهامه مستقبلاً، يقول عضو المجلس السياسي، البرلماني، ناصر محمد باجيل، إن “المكتب السياسي للمقاومة يُعد الذراع السياسية للمقاومة الوطنية التي تناضل دفاعاً عن النظام الجمهوري والديمقراطية والقضاء على انقلاب الميليشيا المدعومة إيرانياً”.

وأضاف أنه من أجل إسقاط المشروع الحوثي و”ديمومة هذا النضال الوطني تم إشهار المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في 25 مارس الماضي لضرورات وطنية، وحرصاً على عدم تكرار الأخطاء التي تسبب بها اتفاق استوكهولم في عام 2018 عندما أوقف القوات المشتركة من استكمال تحرير مدينة الحديدة وموانئها”.

تطلعات اليمنيين

ووفقاً للقيادي باجيل، فإنه استناداً إلى هذه المنطلقات، “جاءت أهمية إطلاق المكتب السياسي للمقاومة الوطنية الذي يعبر عن تطلعات الجماهير التواقة ليمن آمن ومستقر، تسوده الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية وتُحترم فيه حقوق الإنسان، ويحتكم الجميع إلى الديمقراطية وصناديق الاقتراع، وتُحترم إرادة الشعب في اختيار ممثليه لقيادة مختلف السلطات عبر انتخابات حرة تنافسية، مع رفض الإرهاب والتطرف والتعصب”.

للدعوة ما بعدها

للكشف عن النتائج المنتظرة في ضوء خطاب طارق صالح الأخير، أوضح باجيل أن “المكتب السياسي عقب اجتماعه في مدينة المخا سيعمل على ترجمة دعوة العميد طارق بشأن توحيد الصف الوطني لمواجهة ميليشيات الحوثي، كون هذه المهمة الوطنية تحتاج إلى مشاركة كل القوى لإنجازها بنجاح”.
وقال باجيل إن المواقف المؤيدة والداعمة لخطاب رئيس المكتب السياسي “تجعلنا نستبشر خيراً للسير نحو خطوات متقدمة بهذا الشأن، بخاصة أن لدينا مع كل القوى قواسم مشتركة كفيلة بنجاح توحيد الصف لمواجهة ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً”.

جزء من الكل

وتطرق إلى دعوات التقارب التي حملها حديث صالح الأخير، وأشار إلى أن “المكتب السياسي للمقاومة الوطنية أكد أنه ليس بديلاً لأحد، كما ليس لديه خلاف مع أحد، وإنما هو جزء من القوى الوطنية التي تناضل في مختلف الجبهات من أجل تحرير العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي والتمدد الإيراني”.

تتويج بالعمل

وحول توقعاته إزاء الخطوات العملية لتتويج هذا التقارب، أبدى باجيل تفاؤله “بتشكيل عمل سياسي واسع ينتج مقاومة وطنية تضطلع باستعادة الجمهورية في القريب”، ولهذا “فأيدينا ممدودة لكل القوى المدافعة عن النظام الجمهوري والديمقراطية، وبندقيتنا لن توجَّه إلا نحو ميليشيات الحوثي الإرهابية”.

تحرك عسكري حتمي

وأمام التصعيد العسكري لميليشيات الحوثي، قال عضو المجلس السياسي “نعتقد أن تحريك كل القوات إلى جبهات المواجهة أصبح أمراً حتمياً، كما الأمر ذاته بالنسبة إلى الجبهة السياسية أو الإعلامية، وليس أمامنا كيمنيين بعد سبع سنوات من الصراع إلا أن نتحد ضد الميليشيات الإرهابية”.

وأضاف “نستطيع القول إننا في الساحل الغربي نمتلك تجربة لقيادة معركة وطنية تقودها القوات المشتركة التي تضم فصائل المقاومة الوطنية، وألوية العمالقة، والمقاومة التهامية ضد ميليشيات الحوثي”.

وفي استخلاص للمشهد العام وما يترتب عليه، علق بأنه “لا بد من إعادة النظر في قيادة معركتنا الوطنية، فالأخطاء تكبر وقد تتحول إلى كارثة وطنية إذا لم نعمل على توحيد الصف وتحريك الجبهات وتوجيه بوصلتنا نحو تحرير العاصمة صنعاء”.

*إندبندنت عربية

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر