د. لمياء الكندي
د. لمياء الكندي
الحوثية الجذر الواضح لمشاريع التجزئة
الساعة 11:22 مساءاً

لم تكن "الوحدة اليمنية" مجرد خيار اضطراري لجأ إليه كل من الشمال والجنوب، بقدر ما كانت ضرورة وحاجة مكملة لليمنيين، تكثفت الحاجة والمساعي إليها بعد ثورة سبتمبر الخالدة، وأكتوبر المجيدة، كانت كل من الثورتين تؤكد بقاءها ونصرها ببقاء الأخرى وتمسكها بأهدافها ونصرها، واستمرار رايتها بوحدتها، لذا تسابق زعماء اليمن شمالا وجنوبا، كي يؤسسوا لواقع اليمن الوحدوي الجديد والطبيعي، فانطلقت أولى هذه الخطوات بتسارع، لاغية بذلك كافة أشكال الخلافات القائمة بين الشطرين. ولعل الملفت في المساعي الوحدوية، أنها كانت توثق حضورها واتفاقياتها، عقب كل موجة صراع بين الشطرين، وذلك يرجع إلى قناعة المتصارعين أن الوحدة تحمل بذور السلامة والأمن والشراكة والنماء فيما بينهم.

 لقد مثلت الوحدة خيار الشطرين الذي توج حينها بقرار تاريخي لكل من الزعيمين "علي سالم البيض" و"علي عبدالله صالح"، لكن جملة من السياسات والعصبيات والمشاريع التآمرية، التي وجدت لها منفذاً بين المتوحدين، أحدثت فعلها الذي قاد إلى إعلان الانفصال من جانب واحد، وفتح الأبواب المغلقة للحرب مجدداً.

  لقد كانت حرب صيف ١٩٩٤م، بوابة الوجع التي فُتحت في وجه اليمنيين جميعا، نعم سجل تحالف  صنعاء ما اعتبر انتصاراً عسكرياً على قيادة الجنوب، ولكنه عجز عن معالجة الاختلالات التي أحدثتها الحرب، هذه الإختلالات التي قوضت جهود الدولة، نحو الحفاظ على الوحدة كمشروع، وعقيدة وطنية جامعة، وشراكة فاعلة، بعيداً عن أي أطماع ومصالح نضح بها الإناء الحاكم في  صنعاء، ومدد لفسادها وسيطرتها، كمراكز قوى ومشيخات، ورجال أعمال، ومنتفعين، حولوا الجنوب إلى إدارة لمصالحهم، لقد اضعف حضور هؤلاء وسط المشهد السياسي والاقتصادي كلاعبين متحكمين في زمام الحكم، دور الدولة التي باتت تتجاذبها نزعاتهم المرضية تجاه الوطن، والشعب شمالاً وجنوباً. هذا الضعف الذي مهد لظهور المزيد من القوى الداخلية والخارجية التي تقوض من دور الدولة، واستهدفت وحدتها.

    ويعد ظهور الحركة  الحوثية في الشمال بداية من ٢٠٠٤م اكبر تهديد تعرضت له الدولة والجغرافيا اليمنية الحديثة، حيث تركزت هجماتها وحروبها ضد الدولة على قاعدة الإضعاف والاستهداف، لتشتيت قدراتها على مواجهة الأزمات الداخلية، وتكريس سياسة الفشل ذلك ليتم تحويلها إلى قناعة شعبية، يتم توظيفها لخلق سخط وعداوة داخلية ضد الحكومة تمنحهم الحق في تقويض الأمن الداخلي، بل وتبرر لمبدأ الحرب الذي يشنه الحوثيون عليها.

   لقد لعب الحوثيون على كل الأوراق التي يمكن أن تعزز من حضورهم، ودورهم المستقبلي الذي سيفضي فيما بعد إلى إسقاط الدولة، والسيطرة عليها، فالجيش بعد ست حروب متقطعة خرج منها منهك وسيئ السمعة، وكذلك الأداء الأمني، الذي لم يفصل في قضايا الاغتيالات التي عادة إلى الواجهة، كما كان لتلك الحروب أثرها في تسارع وتيرة التهاوي والسقوط الاقتصادي المنهك، فخزينة الدولة تتسول المانحين، ودول الجوار، لرفدها بما يلبي احتياجاتها الضرورية، وقبل ذلك كله كانت ثورة الشباب التي انطلقت أول شراراتها في صنعاء ربيع ٢٠١١م، أوسع بوابة دخل منها الحوثيون إلى صنعاء، ومنها إلى عدن وغيرها، حيث تم إعادة حضورهم السياسي والاجتماعي والإعلامي، بمعية تحركات عسكرية وأمنية، مكنتهم من الاستقلال بمناطق الشمال، وفرض ترتيبات خاصة مكنتهم من إدارة تلك المناطق بعيدا عن سلطة الدولة، لتشكل مجدداً بؤرة الانقضاض الأخير على الجمهورية والوحدة.

  سقطت صنعاء بأيدي الحوثة، وسقطت الدولة مع سقوطها في كل اليمن شمالاً وجنوباً. إن مسألة دحر الحوثيين من عدن وتحريرها من تواجدهم وسلطتهم، لم يكن النهاية في إعادة الحياة بشكل دائم عليها، لقد اثر المشروع الإمامي الحوثي على اليمن ككل، والقول بأن تأثيره فقط على الشمال ومدن الشمال، هي مقالة خالية من الصحة تماماً.

 لقد دفع الجنوب ثمن سقوط صنعاء أضعاف مضاعفه من أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، حتى وإن غاب تأثير سلطة الحوثيين المباشرة عليه. فبخلاف التحديات والأخطار والجرائم التي تعرضت له مدن ومحافظات الجنوب جراء هذه العصابة التدميرية، كان للتأثير الاقتصادي الذي ترافق مع نهب لصوص هذه الجماعة للأموال الخزينة العامة، جراء سيطرتهم على البنك المركزي في "صنعاء"، إضافة إلى ما تسببت فيه هذه العصابة من تهديد لجميع الأنشطة الاستثمارية والتجارية، والتي دفع الجنوب والشمال ضريبتها، نتيجة سياسة التهديد المباشر التي تلقتها هذه الأنشطة، سواء في حجم التهديد الذي تعرضت له، طرق المواصلات الداخلية، التي تربط بين مدن الشمال والجنوب، أو عبر الممرات المائية، والدولية التي تم تهديد الأنشطة التجارية فيها، أو عبر المضعفات للانهيار الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على المواطنين.

   لقد أتاح سقوط الدولة في صنعاء، شيوع بيئة انشقاقية متصارعة بين أبناء الجنوب أنفسهم، فتعدد ظهور الطامعين بينهم، وأصبح لكل طرف مشاريعه الخاصة به، بعيدا عن المصلحة العامة للجنوبيين أنفسهم، وتم تصنيفهم وتقسيمهم إلى كيانات وجماعات متعددة، ومتناحرة، تستهدف أمن وسلامة الجنوبيين أرضا، وإنسانا.

 كما أتاح سقوط صنعاء، وتدخل الحوثيين في الجنوب، إلى تحويل المحافظات الجنوبية إلى مشاريع رخيصة للتدخلات الخارجية وأطماعها، بحيث فقدت قوى الجنوب قرارها الداخلي، وبذلك أصبح امن الجنوب وسلامته وموارده واستقلاله بالقرار الداخلي رهناً، لتلك القوى.

 إن غياب المشاريع الوطنية لكافة اللاعبين بالقضية الجنوبية، على وجه الخصوص والقضية اليمنية ككل، فاقم من مضاعفات الأزمات الراهنة، وساهم في منع أي انفراجة لحالة الانقسام الداخلي والصراع حول السلطة، ولا يخفى علينا تأثر تلك الحالة بما هو موجود في الشمال أيضا.

عندما نتحدث عن الحرب والأزمات في الشمال لا يمكننا ولا يمكن لأي شرعية، أو أي قوة عزلها وعزل تداعياتها على الجنوب، مهما كانت توجهات الجنوبيين وقضاياهم عادلة، وهذا ما أثبتته الأحداث كل يوم، مما يزيد من قناعتنا أن سلامة عدن من سلامة صنعاء، وأمنها من أمن صنعاء، وأن استقرار اليمن ووحدته ككل، يشكل حزام الأمان لدول الجوار والمنطقة ككل، وأي تجزئة، أو تقسيم يشمل أي جزء أو منطقة من مناطق اليمن، لابد وأن يسهم في تداعياته، على أمن دول الجوار والخليج عموما. وعلى قادة الجنوب ان يبحثوا عن صياغة مشتركة وجامعه مع كافة القوى المحاربة للحوثيين، للعمل الجاد كي تعود صنعاء إلى أحضان الدولة وسلطتها الشرعية حتى وان كان لهم تحفظهم الخاص حولها، لان جميع الحلول مرهونة بوجود دولة شرعية في صنعاء، تعمل وفق القانون والمبادئ الدولية، تؤسس لمرحلة ما بعد الحرب وتعالج كافة الإشكاليات وللجنوب حينها حقه الطبيعي في التعبير عن أي مشاريع، تمثل أي حق من حقوقه العامة والخاصة.  

   وعلينا أن ندرك أن التهديد الحوثي يشمل تهديداً لكل اليمن، وكل أشكال الانقسامات الداخلية شمالاً، وحنوباً، شرقاً، وغرباً، ما هي إلا انعكاس مباشر لهذا التهديد، وستزول بزواله. فعلى اليمنيين أن يوجهوا جبهتهم لمعركتهم الكبيرة، وعدوهم الصاغر الذي اسقط بجريمته من صنعاء كل أشكال النظام والأمن والاستقرار في عموم اليمن وفاقم من المعاناة الجنوبية، وشظى قضيتهم وأبعدها عن مسارها الطبيعي التي ظهرت لأجله.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر