د. محمد شداد
د. محمد شداد
اليمن في دائرة التدمير
الساعة 07:34 مساءاً

قد ينبهر البعض بسراب الحضارة الغربية وبريقها الزائف ويرى في البعض من مظاهر تقدمها المادي ما يأخذ لبه وفؤاده. فيرسخ في ذهنه فكرًا مختلاً وتصورًا فاسدًا نتيجته عدم الدراية الكافية وعدم إعمال الفكر النقدي وتبني مواقف تحليلية علمية محايدة في الحكم على الحضارة الغربية في شتى جوانبها.
 فلا يكفي أن نحكم على حضارتهم من خلال ناطحات السحاب أو هامش الحرية المسموح به لشعوبهم والذي يحرمون الشعوب الاخرى منه عبر دعم الدكتاتوريات الظالمة ولا الغنى المادي الذي يقابله فقر قيمي وتدنٍّ إنساني مشين!
لأن الغرب إجمالاً وكما أثبتت المفكر المغربي "أبو زيد المقرئ" اعتبروا أنفسهم قلب العالم " و محوره فيما بقية العالم من حولهم مجرد هوامش. لقد قسَّموا العالم إلى ثلاث دوائر، دائرة الضبط ودائرة التحكُم ودائرة التدمير، ثم فرضوا على دول العالم سياسات تقييد و هيمنة و نفوذ بحسب وجود كل دوله في احدى الدوائر الثلاث. 
 فأمريكا مثلاً وضعت دول أوروبا وأستراليا في دائر الضبط، حيث تقوم بضبطها من خلال تحجيم قوتها ونفوذها الاقتصادي والسياسي وتُخضعُها وفقاً لسياستها وهواها. فيما تضع باقي دول العالم في دائرة التحكم ، فتتحكم بنموها وبمصادرها الاقتصادية حتى لا تنافسها وهي في معظمها حلفاء للعالم الغربي، عدى بعض دول العالم الإسلامي منها اليمن والعراق وسوريا والدول الشيوعية منها كوريا الشمالية مثلاً، وضعتها في دائرة التدمير. فوفق الأجندة الأمريكية هذه دول لا يمكن القبول بها مطلقاً، ولابد من تدميرها وتمزيقها
 إنها سياسة أمريكية واضحة ومعلنة وقد أشار إلى ذلك العالم والمؤرخ أمريكي "نعوم تشومسكي في كتابه "ما الذي يريده العم سام"،  وكتاب صِدام الحضارات لمؤلفه الأمريكي "صامويل هنتنجتون"   وغيرها من المصادر حتى أن الرئيس الأمريكي ترامب كان واضحاً في تصريحاته حيث جاهر في كثير من السياسات الأمريكية التي تحفظ عليها كثير من الرؤساء الذين سبقوه مراعاة لمشاعر الإنسانية وحتى لا تنكشف نواياهم الحقيقة،  كقوله علناً "اعطونا مالا! و "لا بد أن تدفعوا مقابل الحماية مالم فأنتم في خطر" و "دول لديها مال كثير لا تستحقه وكثير من عبارات الابتزاز المعلن" وإصراره على تدمير وحصار بعض الدول تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف وغيرها من الذرائع خدمة للسياسة والنفوذ الأمريكي.  
 السؤال الـصعب أمامنا كشعوب، هل هناك إمكانية للتحرر من الهيمنة الغربية وكسر قيود التبعية لها؟ وهل هناك عوائق اخرى تحول دون تقدم شعوبنا؟ وما هي مساهماتنا كشعوب وأنظمة للتخلص من حبائل الهيمنة الغربية؟  
الحقيقة المرة أن دورنا كان سلبياً للغاية، فقد أخذنا بأيديهم وشجعناهم على تمرير سياساتهم و سهلنا لهم ذلك من خلال ممارسات انظمتنا الشمولية التي قهرت الشعوب وصادرت الحريات ونهبت الثروات وإشاعت الفساد المالي والإداري و كرست الجهوية المذهبية والعرقية تفتت على إثرها الشعوب وباتت فريسة سهلة لكل طامع. 
شجع الغرب الصراعات المذهبية و المناطقية و الفئوية في مجتماعاتنا فسقطنا في دوامة لا متناهية من الصراعات والحروب.
ساهم الغرب احيانا في إسقاط بعض  أنظمة المنطقة التي ارتهنت له بعد ان انتهى دورها،  و غض الطرف على إسقاط  اخرى و ساعد في إستدعاء أحقاد دفينة وظهور مستبطنات كثير من الأطراف السطح، فعربدت العصبيات والعرقيات والجهويات التي عصفت بأوطاننا.
و المتابع لمسار الحرب في اليمن يدرك بأن اليمن كانت فعلاً ضمن دائرة الدمار والاستنزاف لدى الإدارة الأمريكية وبعض القوى الأقليمية التي تخشى ان يؤدي استقرار اليمن لإزدهار ونمو ينافس إزدهارهم خاصة و اليمن يمتلك مقومات افضل بكثير من دول الإقليم.  
كما أن اليمن يتربع على موقع جغرافي هام ويمتلك  2400 كم سواحل ممتدة على بحرين ولدية سيادة على أهم شريان ومنفذ للنفط والتجارية والعالمية ، كما نه يمتلك جزر منتشرة في البحر الأحمر والبحر العربي بإمكانها التحكم بملاحة بحار الشرق دون منازع، وشواطئ تهيم فيها أنواع الأسماك البحرية بفعل سواحله الدافئة، وموانئ استراتيجية قد تشكل مصدراً اقتصادياً تجارياً وسياحياً جباراً.
متى يلتفت اليمنيون لهذا؟ متى يجتمع الصف اليمني وفقاً لرؤية وطنية عادلة جامعة للشمل قبل فوات الأوان، بعيداً عن المصلحة وانتفاخ الذات ومستقلة عن الارتهان لما وراء الحدود، ترعى مصالح الشعب بضمير حي وفقاً لمقتضيات العصر وتطلعات الشعب وبناء الدولة اليمنية الحديثة على الأسس والقوانين الوطنية والدولية؟   
هلا خلدت القوى المتصارعة في اليمن إلى نفسها يوما، و فكرت فيما ستجنيه إذا ما انتهت الحرب وقد دُمرَ الوطن وحُصدَت فيه قياداته العسكرية وانتُزعت قاماته السياسية والاجتماعية من كل طرف، و هاجرت رؤوس الأموال الوطنية وضاع  الشباب قلب المجتمع وفؤاده  بين قتلى وجرحى في خضم المعارك و بين شريد وسجين..؟ هل نراهم يفعلون؟!!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر