فيصل علي
فيصل علي
هل الحرب في اليمن مصيرية أم عبثية؟
الساعة 03:51 مساءاً

يتلقف البعض مصطلحات تظهر بين الحين والآخر بدون تمحيص وبكل عفوية يخوضون في النقاشات التي تنتهي بدون جدوى، في البداية أنا أتصور واعتقد جازماً أن حرب إيران ضد اليمن؛ هوية وشعب وحضارة وأمة هي بكل تأكيد حرب عبثية، وتدخل في إطار محاولة أمة إلغاء أمة أخرى، فالأمة اليمنية تعيش في هذه الأرض - الجزيرة العربية وما حولها- منذ ما يربو عن 6000 ألف عام، منها 3 ألف عام عمر تأسيس الدولة اليمنية، وإلى الآن هناك الكثير من تاريخ الدولة والأمة اليمنية الذ مازال مفقوداً ولم يتم البحث عنه نتيجة لأسباب يطول شرحها.
 بكل تأكيد تعبث إيران الفارسية بتورطها في اليمن، خاصة وأن من يفترض بهم مواجهتها من الأنظمة الوظيفية وأنظمة الريع العائلية لا يستندون لتاريخ اليمن، وهو تاريخهم الذي ينتمون إليه فعلياً، لكنهم يتهربون من هذا الالتزام التاريخي والحضاري والقيمي، معتمدين على وهم خرائط الاحتلال وتقسيماته العدمية وعلى وعود الحماية التي قطعها لهم. بينما إيران ترسم أوهامها على خرائط تاريخ فارس، بمعنى أنها تظهر أمام العالم كأمة حضارية، ويظهر خصومها مجردين من التاريخ والحضارة والأقدمية في الوجود على هذه الأرض. 
كما أنه من نافلة القول إن وهم إيران الطائفي لن يدوم لأسباب منها ما هو موضوعي، ومنها ما يتعلق بالجغرافيا والسكان؛ فإن كانوا يظنون أن لعبة التشيع ستظل مسيطرة على المشهد فهم واهمون جداً، فالفرس بالنهاية فرس وليسوا عرب، والتشيع في أصله عربي لا فارسي، وهم مجرد شيعة لرجل منا من العرب - الحسين ابن علي رضي الله عنهما- وهم مجرد أتباع لا قيمة ولا وزن لهم لا في حياته كان لهم وجود فعلي ولا بعد مماته، حتى أن فكرة حكم إيران ممن يدعون الانتساب للعرب فكرة مثيرة للسخط واللغط لدى الشعوب التي تقطن إيران، وتثير الحساسية هناك. فالقومية الفارسية كمنطق وفلسفة حديثة لا تتفق مع وجود أجانب يحكمون الشعب الفارسي، لذا لن تدوم فرحة الملالي الكهنوتيين الذين ينسبون أنفسهم زوراً وبهتاناً لبطن من بطون قريش العربية.
أضف إلى ذلك أن التشيع العربي يجب أن يظهر لموازاة التشيع الصفوي الذي توسع على حسابه. لذا يحتاج الساسة لمراجعة خطابهم، وكذا النخب لمراجعة حساباتها، ولا داعي لدعم تسسن ولا محاربة تشيع لتستقيم فكرة الأمة بكل طوائفها، لم يعد مقبولاً في هذا العصر أن يستقوي الحكام بهذه الطائفة أو تلك، عليهم أن يدعوا مسألة الدين للناس وأن يدعوا مدارس الفقه تفتح أبوبها للمحاجة والنقاش والجدل الذي لا يضر بكيان الدولة والأمة.    
فيما يتعلق بالجغرافيا فحدود اليمن الكبير تاريخياً معروفة منذ القدم، ومع قدوم الإسلام توسعت رقعة العرب، بعد أن فتح تلك المنطقة -والتي تقطنها قبائل عربية قديمة هاجرت من الجزيرة العربية- الفاتح التهامي أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وسميت فيما بعد "عربستان" أي أرض العرب -أطلقت هذه التسمية في أيام الدولة الصفوية- وعاصمتها الأحواز، وهي أرض مشاطئة وموازية لساحل الخليج العربي، وتمتد من حدود شط العرب إلى مضيق هرمز، وفيها النفط الذي تستغله حكومة الملالي، وهي الجغرافيا التي منحت لإيران نصف أهميتها الجيوسياسية اليوم، لذا فدعم الشعب العربي هناك للتحرر هو واجب المرحلة، فمن الأحواز يبدأ أمن مارب والرياض والمنامة وأبوظبي والكويت ومسقط والدوحة.  
كما أن سكان الجزيرة العربية اليوم مجتمعين - الجمهورية اليمنية والخليج العربي- وهم من أصل ومكون يمني واحد -أضف إليهم 10 مليون عربي يقطنون في الأحواز- يفوق تعدادهم سكان الشعوب والعرقيات المكونة لإيران. فقط لو أن العقل يعمل لدى الأنظمة في الجزيرة العربية لأصبح هناك فكر واحد ومنطق واحد وثقافة واحدة وهوية واحدة وأمة واحدة تواجه هذا الزحف الإيراني على موطن العرب الأول، والذي شرحه وفصله الحسن الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب.
حينما تصحو الأمة اليمنية في اليمن الكبير سيدرك الحوثي أنه مجرد مدعي ركب موجة إيران الطائفية، وأنه لا يوجد فعلياً هاشمية فارسية، ولا يوجد حسين فارسي، وأن هذه المسميات عربية ذابت في إطار الأمة اليمنية منذ القدم، وأن الاستثمار العدمي والادعاءات الوهمية للهاشمية السياسية حتماً ستزول.
 أضف إلى ماسبق فإن عبث التحالف والشرعية ولعبة المغالبة ناتج عن خلل في فهم طبيعة المعركة بين أمتين؛ أمة في جزيرة العرب، وأخرى في فارس، وأن الغرق في التفاصيل المرتبطة بصراعات مختلقة؛ من شيعية وسنية وإسلامية وعلمانية وإخوانية وسلفية الخ مضيعة للوقت، ولا طائل منها، وهي مجرد فخاخ وضعها من يديرون الصراع في المنطقة.
خلاصة الحرب في اليمن بالنسبة لنا أهل اليمن الكبير هي حرب مصيرية، وهي بالنسبة لشعبنا في الجمهورية اليمنية مصيرية أيضاً، فأما أن تبقى الدولة والجمهورية والديمقراطية والحرية والمواطنة المتساوية ووحدة الأرض والإنسان والشعب والهوية، يا أما أن تتحول إلى كهنوتية كما تريد إيران والسلالة والهاشمية السياسية، وتعود إلى العبث والتشطير كما تريد القروية والجهوية ومن يقفون خلفها من القوى المعادية للأمة اليمنية.
 إن الجهل واليأس والانكسار والهروب من الواقع والغضب من أداء الشرعية تقع ضمن أسباب قبول البعض بتسمية الحرب بالعبثية، وكأننا فقط ينقصنا تشخيص المشكلة من وجهة نظر محايدة.. فلا تتركوا المجال للدعاية المعادية، واليأس، والحنق وغيرها من العوامل تأخذكم بعيداً عن قضيتكم اليمنية، وتذكروا أن إيران بدأت حربها المسلحة ضدكم وضد الجمهورية اليمنية في عام 2004م، وفي التسعينات من القرن الماضي بدأت حربها العقائدية والطائفية ضد شعبكم، مستغلة الجهل والتخلف وتراكم طبقات حقد السلالة التي تشعر بالنقص وبانتمائها للفرس وبدعواها في الحق الإلهي في الحكم.
 تمر اليمن اليوم بمرحلة ضعف، لكنها لن تتلاشى ولن تهزم، في معركتها المصيرية. ولن ينخدع شعبنا العظيم بخطاب إيران ومرتزقتها، ولا بخطاب دعاة تشطير وتمزيق اليمن.
إذاً حربنا دفاعية مصيرية، وحربهم التي أشعلوها بحطب الحوثي الطائفي عبثية، لذا لا نريد أن نخيب ما ذهب إليه أصدقائنا الفهلويين الذين يخدمون الهاشمية السياسية وسياسة إيران بقصد أو بدون قصد، فتمسكهم بمفهوم الحرب العبثية يعود على إيران ومرتزقتها، سلوهم لماذا يحاربون شعبنا وأمتنا اليمنية ويخوضون ضدنا حربهم العبثية؟

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر