مصطفى ناجي الجبزي
مصطفى ناجي الجبزي
‏في جنازة حسن.. قراءة لنرجسية العزاء والإقصاء
الساعة 05:31 مساءاً

مراسم الدفن كما هي حالة حسن هي مناسبة لإعادة تعريف المحور لنفسه: حضوره، خارطة تحالفاته العابرة للأوطان، عمق قوته الناعمة.

‏هي أيضاً مناسبة إضافية للتعبئة. هذه الجماعة هي جماعة تجييش، جماعة مشهدية، التفاعل الحياتي مشهدي واستعراضي وأكثر ما تجيد الاستعراض فيه هو الموت. تصنع الموت وتجمّله وتحتفي به. تدعو إليه وتعمل لتوفيره.

‏استطاعت هذه الجماعة أن تتفنن في إعطاء الموت دلالات إضافية صالحة للاستثمار السياسي. استولدت مناسبات وعزاءات عابرة للقرون وفرضتها على حساب الثقافة الوطنية في كل بلد حضرت فيه. أجادت خلق أيقونات رمزية وإحالاتها بالقداسة من خلال التكرار والإطناب والتمثيل بالهيام حبا وتولها وتأليهاً.

‏بالنسبة لهذه الجماعة، حسن هو الأيقونية الضافية، هو قطعة البزل الناقصة والتي تغلق المشهد أو تسمح بافتتاح مشهد جديد. هو قطعة المغناطيس التي تتوجه نحوها الاهتمامات. لأن هذه الجماعة لا تستطيع أن تكون عادية وطبيعية ومثل كل الناس.

‏نرجسيتها المرضية تحتم عليها أن تجعل من موت رموزها موتاً للناس جميعاً تختزل فيه الإنسانية جميعها وتصادر فيه دلالات الموت وتحاول فرض إيقاع خاص على كل الناس لأنها ترى نفسها محور الكون وسرته. الاستعلاء في الحياة وادعاء الفوقية ولو عبر التواضع الزائف يتحصل في نرجسية العزاء.

‏في كل الوفود ستجدون أنهم ينتجون شخصية عامة متمايزة عن التمثيل الوطني. انظروا إلى الوفد الحوثي. ذهب يدعي تمثيل اليمن لكنه ليس اليمن الإسمي ولا الرسمي وليس اليمن الشعبي. رغم أن الوفد كبير إلا أن هناك تكريس لصورة واحدة اختزالية لليمنيين في لهجتهم وملابسهم وتباكيهم واستيعابهم للعزاء.

‏ليس في الثقافة اليمنية هذه النمذجة للعزاء ولا هذا التأليه للزعماء الدينيين أو السياسيين أو القبليين. لذا يمقت اليمنيون هذا التكاذب إما لوعيهم أنه لا يشبههم أو أنهم لا يدركون أن هناك ثقافة فرعية تتطور وتنمو خارج الأنماط التعبيرية المألوفة للحزن والفقدان والمواساة.

‏عام 1989 في صنعاء، كنت في حافلة صغيرة (دبّاب) ذاهباً إلى المدرسة وعندما مرت الحافلة أمام المتحف الوطني سمعت حديث ثلاثة رجال من أبناء القبايل كما تبين لهجتهم قال أحدهم: ما أصدق الموت! تكون من كنت، حتى أكبر شيخ (زعيم قبلي) تصبح قيمتك أرخص من الكرتون.

‏تختزل هذه الجملة فلسفة عملية للموت والميت. تنزع عنه أي سلطة وتعيده إلى حقيقته البيولوجية. وهذا التصور لا يختلف كثيراً عن التصور الكلي في الإسلام للموت الذي يرفض عبادة الموت والموتى لأنها نقيض لمبدأي التوحيد في الأولوهية وتحرير الفرد.

‏التأليه والتباكي والتطبير على الموتى أمر غير مألوف في اليمن أو أنه باطني تحت أرضي. لكنها في حالة حسن فعل سياسي ونرجسي.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر