2021/07/01
المقاربة الأمريكية لإنهاء الحرب في اليمن.. تكرار الفشل وشرعنة للإرهاب وتكريس لمعاناة اليمنيين

تودع مدينة مارب شهر يونيو الحالي، وهي مثخنة بالجراح ومثقلة بالأحزان فقد شهدت طيلة أيامه سلسلة من الجرائم الوحشية ارتكبتها مليشيا الحوثي الإرهابية بحق المدنيين الذين تكتظ بهم أحياء المدينة ومحيطها وغالبيتهم من النازحين.
ولا يختلف هذا الشهر كثيراً عن سابقيه، فمنذ فبراير الماضي، والمدينة التي تضم أكثر من مليوني نازح تتعرض لقصف حوثي متواصل بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المفخخة، بالتزامن مع حملة عسكرية هي الأوسع والأعنف تشنّها المليشيا من عدّة محاور بهدف السيطرة على المحافظة، رغم التحذيرات الدولية من تداعياتها الإنسانية الكارثية. 
ورغم أن المليشيا الحوثية لم تحقق أي تقدم يذكر على الأرض، خلال هجماتها الانتحارية التي ما تزال مستمرة حتى الآن، إلا أن تعمّدها قصف الأحياء والتجمعات السكنية والمنشآت الخدمية أدى لتهجير آلاف الأسر، وتسبب في مقتل وجرح المئات من المدنيين، بينهم كثير من النساء والأطفال.
التصعيد الحوثي تجاوز جبهات القتال وقصف المدن اليمنية، إلى استهداف الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية وبالطائرات الإيرانية المسيّرة، وتسبب البعض منها بأضرار في أوساط المدنيين وفي الممتلكات العامة والخاصة. 

خطوات غير مدروسة
ويأتي هذا التصعيد على إثر التغييرات التي أعلنتها الإدارة الأمريكية الجديدة في سياستها الخارجية تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط وعلى رأسها الأزمة اليمنية، والتي قالت إنها تعتمد على النهج الدبلوماسي وأدوات القوة الناعمة.
فبعد أقل من شهر على إدراج إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، مليشيا الحوثي بقائمة الإرهاب في 19 يناير 2021، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن رفع الحوثيين من هذه القائمة ابتداءً من منتصف فبراير، واتخذت موقفاً معاكساً لحملة الضغط القصوى التي كانت تنتهجها الحكومة السابقة ضد إيران وأذرعها الإرهابية في المنطقة، وكذا خطوات متحيّزة ضد الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي الداعم لها بقيادة السعودية، في تحركات وصفت بأنها متسرّعة ونتائجها غير مدروسة ولا تملك خطة تضمن خدمتها للمسار السياسي ووقف إطلاق النار.
وتوّجت إدارة بايدن، خطواتها المتحمّسة بتعيين "تيموثي ليندركينغ" مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، والذي ظهر بعدها بأيام في الرياض ليبدأ جولة أولى من شأنها الترويج لرغبات إدارته في إنهاء الأزمة التي استعصت على الحل منذ 6 سنوات.
وفي الجانب الآخر، قوبلت هذه الخطوات، بارتياح لدى الحوثيين وداعميهم في طهران، معتبرين إلغاء تصنيفهم منظمة إرهابية انتصاراً لهم واعترافاً بمشروعية حروبهم التوسّعية، ليبدأوا بعدها بأيام هجومهم العسكري الأكبر اتجاه مارب، مستفيدين من ضغوط الإدارة الأمريكية على السعودية والقيود التي وضعتها أمام التحالف العربي، لتجد إدارة بايدن نفسها أمام موقف محرج.
وبعد مشاورات مكثّفة خلال أبريل، أعلن المبعوث الأمريكي تيموثي ليندركينغ والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث حصولهم على موافقة مبدئية من الحوثيين بشأن مبادرة وقف إطلاق النار، ومطلع مايو وصل المبعوثان ومعهما ورئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي كريس مورفي، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى العاصمة العُمانية "مسقط"، ولكن بعدها بأيام غادروها معلنين فشل المشاورات. وبحسب تقارير صحفية فإن الحوثيين رفضوا لقاء المبعوثين إلى جانب المسؤولين السعوديين.

فاتورة باهظة
ورغم المناشدات الأمريكية والأممية والدولية للحوثيين بوقف تصعيدهم تجاه مارب وتعز والحديدة وقصفهم الأراضي السعودية، إلا أن المليشيا تصر على ضرب كل تلك الدعوات عرض الحائد وتواصل ارتكاب الجرائم اليومية بحق المدنيين منذ شطبها من قائمة الإرهاب قبل نحو 5 أشهر.
وآخر هذه الجرائم الوحشية، قصف المليشيا الحوثية ظهر الثلاثاء (29 يونيو) لمدينة مأرب بصاروخين باليستيين نتج عنهما استشهاد 3 من المدنيين بينهم طفل وإصابة 10 آخرين بينهم 3 أطفال، وفقاً لإحصائية نشرها الموقع الرسمي للمحافظة. 
وخلال الفترة من 5 وحتى 29 يونيو الجاري، استهدف الحوثيون مدينة مأرب بخمسة صواريخ باليستية وثلاث طائرات مفخخة، ما أسفر عن استشهاد 34 مدنياً بينهم طفلان، وجرح 40 آخرون بينهم 3 أطفال وامرأة، وفقاً للموقع. 
وتشير الإحصائية إلى أن الأحياء السكنية ومخيمات النازحين بمارب تعرّضت- منذ مطلع العام الجاري- للقصف من قبل الحوثيين بنحو 55 صاروخًا باليستياً و12 طائرة مسيرة راح ضحيتها 123 قتيلاً من المدنيين بينهم امرأة و14 طفلًا، إضافة إلى 215 جريحاً بينهم 11 امرأة و٢٨ طفلًا.

شرعنة الإرهاب
ويوم الخميس (24 يونيو) قال المبعوث الأمريكي الخاص باليمن، إن واشنطن تعترف بمليشيا الحوثي طرفًا شرعيًا في اليمن، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في أوساط اليمنيين محذرين من خطورة شرعنة هيمنة الحوثيين باعتبار سيطرتهم على مساحة من الأرض على حساب الشعب اليمني ودولته ومستقبله.
وجاء تصريح ليندركينغ خلال نقاش عبر الإنترنت نظمه المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، ورغم الجدل المستمر الذي أحدثه هذا التصريح، إلا أن المبعوث الأمريكي لم يظهر بعدها بأي نشاط أو توضيح لفكرته حتى الآن.
وبدلاً من ذلك بادرت الخارجية الأمريكية لنشر تعقيب نوهت فيه إلى أن الكثير من التقارير والوسائل الإعلامية فسرت ما قاله مبعوثها خطأ، وقالت إن الحوثيين يسيطرون "على الناس والأراضي في اليمن، ولا يمكن لأحد إخراجهم من الصراع عبر التمنّي فقط".

بيت القصيد
وكان تصريح المبعوث الأمريكي بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الغضب الشعبي المتراكم في أوساط اليمنيين منذ إعلان إدارة بايدن شطب المليشيا الحوثية من قائمة الإرهاب، وما تلاه من مواقف "متراخية" إزاء التصعيد الحوثي واستهداف المدنيين في مارب والحديدة وتعز وغيرها، معتبرين المقاربة الأمريكية لوقف الحرب الحوثية بمثابة تكرار لتجارب سبق وأن فشلت مراراً ولا تؤدي سوى إلى تكريس معاناة اليمنيين بشرعنة الإرهاب والتطرف وثقافة الاستقواء بالسلاح.
وقال سفير اليمن في بريطانيا، ياسين سعيد نعمان، إن ليندركينغ، ربما لم يستطع "أن يدرك أننا أمام ظاهرة جنان أسمها الحوثي، لا ينفع معها هذا الاستخدام الملتبس للمفاهيم لإحداث اختراق سياسي، فهي مبرمجة على استخدام العنف لتحقيق المكاسب التي تحدث عنها ووصفها بالعبارة التي تعني فيما تعنيه شرعية العنف".
وأضاف في مقال له تعليقاً على تصريح: "كل ما تسفر عنه هذه الاستخدامات الملتبسة للمفاهيم هو الاعتقاد من قبلهم أنها دعوة للاستمرار في العنف ومباركة له، للمجتمع الدولي أكثر من تجربة كان آخرها رفعهم من قائمة الارهاب".
وقال إن "جماعة الحوثي تعتبر كل خطوة يخطوها المجتمع الدولي تجاهها هو منجز حققته بالمزيد من العنف". متسائلاً "كيف للمبعوث أن يخذل مهمته بتصريحات ملتبسة كتلك التي لا يمكن لها إلا أن تعقد الوضع فوق ما به من تعقيدات؟".
وأشار نعمان، إلى أنه "لا يوجد من يطالب بإخراج الحوثيين من معادلة الحل السياسي، والدليل على ذلك هي المفاوضات التي جرت معه بدءً من جنيف والكويت وانتهاء باستوكهولم".
واختتم السفير نعمان بالقول: "لو أن السيد المبعوث الخاص استوعب حقيقة الوضع لأدرك أن كل ما في الأمر هو أن الحوثي لا يقبل معه شريكاً في حكم اليمن، وهذا هو بيت القصيد".

أين المشكلة؟
وفي السياق، اعتبر عبدالملك المخلافي، مستشار الرئيس هادي ووزير الخارجية الأسبق، أن "الاعتراف بالحوثي طرفًا "شرعيًا" كما قيل لا يقدم ولا يؤخر في توصيف انقلابه الذي سيبقى غير شرعي كما لا يحل المشكلة اليمنية". معتبراً أن لا نتيجة لذلك سوى أنه "يرضي أوهام الحوثي ومن يقدمه للعالم، ويدخل من أعلن هذا الاعتراف في دوامة إمكانية جلب الحوثي الى السلام والتخلي عن الانقلاب وهو ما سيتبين سريعًا أنه مجرد وهم".
وأضاف المخلافي في سلسلة تغريدات له بحسابه على التويتر، أن "هذا الاعتراف الأمريكي بالحوثي مكوناً من المكونات اليمنية يشبه إلغاءَ تصنيفهم كجماعة إرهابية". موضحاً أن "كلا الموقفين أخذا تحت الظن أن ذلك سوف يخفف من تطرفهم ويقنعهم بالسلام، لا الموقف الأول فعل ولا الثاني سيفعل لأن المشكلة ليست موقف اليمنيين والعالم من الحوثي ولكن المشكلة هي موقف الحوثي من الجميع".
ولفت المخلافي، إلى أن الشرعية والقوى السياسية اليمنية اعترفت بالحوثي قبل الأمريكان عام 2011 واعتبرته كمكون "رغم تمرده الطويل وتم إشراكه في الحوار الوطني والسلطة وعقدت معه اتفاقات". لافتاً إلى أن نتيجة ذلك أن الحوثي "واصل الحرب والقتل وقام بالانقلاب وبعد الانقلاب جرى الحوار معهم بموجب القرار 2216 ولكن المحصلة هي استمراره في الحرب والدمار".

ما يريده الحوثي
وبحسب المستشار المخلافي، فإن "ما يريده الحوثي ليس الاعتراف به كمكون ولا حتى كشريك في الوطن ولكن الاعتراف بانقلابه وهيمنته العنصرية على اليمن".. مؤكداً أن هذا "هو ما لن يمنحه اليمنيون له ولن يحصل عليه من العالم طالما والشعب اليمني يقاوم ويرفض هذا الانقلاب".
وتابع: هذه اللغة البرجماتية التي برر بها ليندركينغ تصريحه تصلح مع جماعة سياسية وليس مع جماعة دينية عقائدية إرهابية عنصرية لا تختلف في المنطلقات والممارسة عن داعش إن لم تكن أسوأ وستكشف الأيام ذلك لمن لم يكتشف بعد". مضيفاً: "مع الأسف لا يفهم الحوثي تقديم الحوافز للقبول بالسلام".
وأكد المخلافي، أن "الشرعية والقوى السياسية وغالبية اليمنيين مع السلام دائمًا، من اختار الانقلاب والحرب هو الحوثي ولا يجب القلق من أي موقف يظن أنه سيقدم حوافز للحوثي لجلبه الى السلام.. مختتماً: "إن نجح هذا الموقف رغم التجربة التي تجعل ذلك مستحيلًا تحقق السلام الذي ننشده وإن ثبت العكس ستتعزز الجهود لفرض السلام".
وما تزال ردود اليمنيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية تتوالى لمواجهة ما ذهب إليه المبعوث الأمريكي وكل الأفكار المشابهة، معتبرين الحديث في هذا السياق بمثابة الحافز للتنظيمات الإرهابية الأخرى في اليمن والعالم كتنظيمي "داعش والقاعدة" باعتبار أن الشرعية لمن يمتلك سلاحاً ويستطيع السيطرة على مساحة من الأرض بقوّة ذلك السلاح. 

تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن ميديا www.yemen-media.com - رابط الخبر: http://ye-media.net/news2839.html